ورد ذكر قصة يأجوج ومأجوج في
القرآن الكريم؛ بأنهم قوم مفسدون في الأرض، فمن هم يأجوج ومأجوج؟ وهل اقترب
ظهورهم؟ ومن هو ذو القرنين؟
اختلف المفسرون والعلماء كثيرا في كل من يأجوج ومأجوج وذي
القرنين، وغير معلوم هل يأجوج ومأجوج سلالة بشرية أم ضرب من الخلائق لهم أصول
مختلفة؟ وهل مدلول الآيات رمزي أم حرفي؟
قال تعالى: ((قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا
عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)).
من هم يأجوج ومأجوج؟
إن يأجوج ومأجوج قبيلتان من غير بني آدم، ولا صحة بأنهم من ذرية يافث
بن نوح عليه السلام، كما أكدت الابحاث المقارنة والحفريات والجيولوجية انهم من نسل النيندرتال وتأكد ذلك بخرائط الجينوم وهم متوحشتين احترفوا الإغارة والسلب والنهب والقتل والظلم
من قديم الزمان، وكانوا يقطنون الجزء الشمالي من قارة آسيا، شمالا وغالب كتب التاريخ
تشير إلى أنهم سلالات مهجنة بينهم كنينيدرتال وبين بني ادم نتج عنهم السل المنغولي تتريون، وأنه كان موطنهم يمتد من التبت والصين جنوبا إلى المحيط
المتجمد الشمالي، وأنهم عاصروا قورش الذي بنى سد دانيال.
والنينيدرتال خلقوا قبل خلق ادم ب 15 الف سنة بالتقير الحفري والجيولوجي
كما لم يصح ذكرهم أنهم مروا في إفسادهم في الأرض بسبعة أدوار،
بدايتها كانت قبل ( 5000 آلاف سنة) وآخرها: هجوم جنكيزخان على الحضارة الإسلامية، فهم
أسلافه. بل الثابت أنهم حبسوا تحت سد رادم بناه ذو القرنين
وقد ذكر بعض المؤرخين حكايات غريبة عن يأجوج ومأجوج،لا تصح
وهذا يدل على أن يأجوج ومأجوج ليسوا هم الصينيين،يل ليسوا من بني ادم اصلا -- ويكون خروجهم جميعا وفسادهم الأخير في الأرض عند نزول
عيسى عليه السلام، هذا مع العلم أن كثيرا من التتر والمنغول -
الذين هم أصول مهجنة بين يأجوج ومأجوج والادميين الذين كانوا يخطتفونهم- قبل حبسهم تحت الارض أصبحوا هجينا نينيدرتالي ادمي أكثرهم من شمال شرق اسيا
من هم الذين شكوا إلى ذي القرنين من إفساد يأجوج ومأجوج؟
أما القبائل التي استنجدت بذي القرنين لحمايتهم من يأجوج
ومأجوج، فقد أشار القرآن الكريم إلى أنهم في جهة مشرق الشمس، وأنهم ضعفاء متأخرون
في الحضارة، إذ لم يكن لهم من البنيان ما يسترهم من وهج الشمس، وأنهم لا يكادون
يفقهون ما يقال لهم؛ ولكن الله هيأ لذي القرنين من الأسباب ما يجعلهم يفقهون عنه
ويفقه عنهم.
ويرى بعض المؤرخين أنهم كانوا يقطنون في شمال أذربيجان
وجورجيا وأرمينيا.. ويطلق عليهم اليونانيون اسم: (كولش).
من هو ذو القرنين
ذو القرنين المذكور في سورة الكهف في قوله تعالى :
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ
ذِكْرًا ) الكهف/ 83 كان ملكًا من ملوك الأرض وعبدًا صالحًا مسلمًا، طاف الأرض
يدعو إلى الإسلام، فنشر الإسلام وقمع الكفر وأهله وأعان المظلوم وأقام العدل.
صح عن مجاهد أنه قال: "ملك الأرض مشرقها ومغربها
أربعة نفر: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان: سليمان بن داود وذو القرنين، والكافران:
بختنصر ونمرود بن كنعان، لم يملكها غيرهم "رواه الطبري في
"التفسير" (5/433) .
قال ابن كثير رحمه الله:
" ذكر الله تعالى ذا القرنين هذا وأثنى عليه
بالعدل، وأنه بلغ المشارق والمغارب، وملك الأقاليم وقهر أهلها، وسار فيهم بالمعدلة
التامة والسلطان المؤيد المظفر المنصور القاهر المقسط. والصحيح: أنه كان ملكًا من
الملوك العادلين "انتهى من "البداية والنهاية" (2 /122)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقِيلَ
كَانَ نَبِيًّا، وَقِيلَ: كَانَ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَة، وقيل لَمْ يَكُنْ
نَبِيًّا وَلَا مَلَكًا، وَقِيلَ: كَانَ مِنْ الْمُلُوك. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَر "انتهى بتصرف".
ماذا قال رسول الله عن ذي القرنين
وأما ما رواه الحاكم (104) والبيهقي (18050) عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا
أَدْرِي أَتُبَّعٌ أَنَبِيّاً كانَ أَمْ لاَ، وَمَا أَدْرِي ذَا الْقَرْنَيْنِ
أَنَبِيّاً كانَ أَمْ لاَ، وَمَا أَدْرِي الحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لأَهْلِهَا أَمْ
لاَ) ، فقد أعله الإمام البخاري رحمه الله وغيره.
قال الإمام البخاري رحمه الله: "وقال لي عبد الله
بن محمد حدثنا هشام قال حدثنا معمر عن ابن ابى ذئب عن الزهري أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال ما أدرى أعزير نبيا كان ام لا، وتبع لعينا كان ام لا، والحدود
كفارات لأهلها ام لا؟
وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن أبى
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأول أصح، [يعني: المرسل]، ولا يثبت هذا عن النبي
صلى الله عليه وسلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحدود كفارة )
"انتهى".
"التاريخ الكبير" (1/153).
وجاء عن بعضهم ان ما يتوارد على ألسنة بعض من لا علم له بحقائق الأمور
أنه الإسكندر المقدوني باني الإسكندرية، الذي غزا الصين والهند وبلاد الترك، وقهر
ملك الفرس واستولى على مملكته: فهو قول باطل مردود، وقد بين ذلك المحققون من أهل
العلم:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
"الْإِسْكَنْدَر الْيُونَانِيّ كَانَ قَرِيبًا مِنْ
زَمَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَبَيْن زَمَن إِبْرَاهِيم وَعِيسَى أَكْثَر
مِنْ أَلْفَيْ سَنَة، وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْإِسْكَنْدَر الْمُتَأَخِّر
لُقِّبَ بِذِي الْقَرْنَيْنِ تَشْبِيهًا بِالْمُتَقَدِّمِ لِسَعَةِ مُلْكه
وَغَلَبَته عَلَى الْبِلَاد الْكَثِيرَة، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا غَلَبَ عَلَى
الْفُرْس وَقَتَلَ مَلِكهمْ اِنْتَظَمَ لَهُ مُلْك الْمَمْلَكَتَيْنِ الْوَاسِعَتَيْنِ
الرُّوم وَالْفُرْس فَلُقِّبَ ذَا الْقَرْنَيْنِ لِذَلِكَ.
والْحَقّ أَنَّ الَّذِي قَصَّ اللَّه نَبَأَهُ فِي
الْقُرْآن هُوَ الْمُتَقَدِّم.
وَالْفَرْق بَيْنهمَا مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدهَا: مَا
ذَكَرْته، الثَانِي: أنّ الْإِسْكَنْدَر َكَانَ كَافِرًا، وَكَانَ مُعَلِّمُهُ
أَرَسْطَاطَالِيس، وَكَانَ يَأْتَمِر بِأَمْرِهِ، وَهُوَ مِنْ الْكُفَّار بِلَا
شَكّ، الثَالِث: كَانَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ الْعَرَب، وَأَمَّا الْإِسْكَنْدَر فَهُوَ
مِنْ الْيُونَان" انتهى باختصار.
وقال ابن كثير رحمه الله:
وفي اخبار غير موثقة ان" ذكر الأزرقي وغيره أن ذا القرنين أسلم على يدي
إبراهيم الخليل وطاف معه بالكعبة المكرمة هو وإسماعيل عليه السلام.
أما المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ
بأيامه الروم، فكان متأخرًا عن الأول بدهر طويل، كان هذا قبل المسيح بنحو من
ثلاثمائة سنة وكان أرسطا طاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل
ملوك الفرس وأوطأ أرضهم.
وإنما نبهنا عليه لأن كثيرًا من الناس يعتقد أنهما واحد،
وأن المذكور في القرآن الكريم هو الذي كان أرسطا طاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ
كبير وفساد عريض طويل كثير، فإن الأول كان عبدًا مؤمنًا صالحًا وملكًا عادلًا،
وأما الثاني فكان مشركًا وكان وزيره فيلسوفًا، وقد كان بين زمانيهما أزيد من ألفي
سنة، فأين هذا من هذا؟ لا يستويان ولا يشتبهان....". انتهى باختصار وتصرف من
"البداية والنهاية" (2 /122-225)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"كان أرسطو قبل المسيح بن مريم عليه السلام بنحو
ثلاثمائة سنة، كان وزيرًا للإسكندر بن فيلبس المقدوني الذي غلب على الفرس وهو الذي
يؤرخ له اليوم بالتاريخ الرومي تؤرخ له اليهود والنصارى، وليس هذا الإسكندر هو ذا
القرنين المذكور في القرآن كما يظن ذلك طائفة من الناس، فإن ذلك كان متقدمًا على هذا،
وذلك المتقدم هو الذي بنى سد يأجوج ومأجوج، وهذا المقدوني لم يصل إلى السد، وذاك
كان مسلمًا موحدًا وهذا المقدوني كان مشركًا هو وأهل بلده اليونان كانوا مشركين
يعبدون الكواكب والأوثان" انتهى "منهاج السنة النبوية" (1 /220) ،
وينظر: "مجموع الفتاوى" (11 /171-172) ، "إغاثة اللهفان" ،
لابن القيم (2 /263-264).
فتبين مما سبق أن ذا القرنين المذكور في القرآن كان
مسلمًا موحدًا، وكان من العرب، فمن زعم أنه كان جدًا للفرس، أو كان نبيًا من
أنبيائهم على ملتهم ودينهم وطريقتهم: فقد ادعى باطلًا كما بينه المحققون من أهل
العلم والتاريخ.
خروج يأجوج ومأجوج:
ذكر الحق تبارك وتعالى في سورة الكهف أن ذا القرنين في
تطوافه في الأرض بلغ بين السدين، فوجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً،
فاشتكوا له من الضرر الذي يلحق بهم من يأجوج ومأجوج، وطلبوا منه أن يقيم بينهم
وبين يأجوج ومأجوج سداً يمنع عنهم فسادهم، فاستجاب لطلبهم.
وقال العلماء إن يأجوج ومأجوج أمتان كثيرتا العدد، وهما
من ذرية آدم عليه السلام ثبت في الصحيحين: «أن الله تعالى يقول: يا آدم، فيقول:
لبيك وسعديك، فيقول: ابعث بعث النار، فيقول: وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف
تسمعائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فحينئذ يشيب الصغير، وتضع كل ذات
حمل حملها، فقال: إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج».
وقد أخبر الحق تبارك وتعالى أن السَّد الذي أقامه ذو
القرنين مانعهم من الخروج: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ
نَقْبًا} [ الكهف:97 ]، وأخبر أن ذلك مستمر إلى آخر الزمان عندما يأتي وعد الله،
ويأذن لهم بالخروج، وعند ذلك يدك السد، ويخرجون على الناس {فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي
جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف:98].
وعند ذلك يخرجون أفواجاً أفواجاُ كموج البحر
{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف:99] وذلك قرب قيام
القيامة والنفخ في الصور {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}
[الكهف:99].
وقد أخبر الحق في موضع آخر عن نقبهم السد وخروجهم:
{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ
. وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ
كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا..} [الأنبياء:96-97]، وهذا كائن في آخر الزمان، وقوله: {كُلِّ حَدَبٍ
يَنسِلُونَ} [الأنبياء:96]، أي يسرعون في الإفساد في الأرض، والحدب هو المرتفع في
الأرض، وهذه صفتهم حال خروجهم.
إخبار الرسول عن فتح من ردم يأجوج ومأجوج
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه فتح من ردم
يأجوج ومأجوج في عصره فتحة صغيرة كالحلقة التي تكون من الإبهام والتي تليها، ففي
صحيح البخاري عن زينب بنت جحش أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" دخل
عليها يوماً فزعاً، يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم
يأجوج ومأجوج مثل هذه»، وحلق بإصبعيه: الإبهام والتي تليها، قالت زينب: فقلت: يا رسول
الله، أنهلك، وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث».
والله أعلم. ا.هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق