من الالوكة
نزول عيسي بن مريم
نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام
هُوَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام، مِنْ أُولِي العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَنُزُولُهُ عليه السلام فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنَ العَلَامَاتِ الكُبْرَى لِلسَّاعَةِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ﴾ [الزخرف: 61]، وَفِي قِرَاءَةٍ مَرْوِيَّةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا: (وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ) بِفَتْحِ العَيْنِ وَاللَّامِ[1].
• أَدِلَّةُ وُجُودِ عِيسَى عليه السلام حَيًّا إِلَى الآنِ:
يَعْتَقِدُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى أَنَّ المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مْرَيَمَ عليه السلام قُتِلَ وَصُلِبَ، وَأَنَّهُ الآنَ فِي عِدَادِ المَوْتَى، قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ﴾ [النساء: 157].
وَأَمَّا المُسْلِمُونَ فَيَعْتَقِدُونَ فِيهِ مَا أَخَبَرَ اللهُ تعالى بِهِ، مِنْ كَوْنِهِ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَيًّا، وَلَا يَزَالُ حَيًّا إِلَى أَنْ يَنْزِلَ فِي آخِرِ الزِّمَانِ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرُ الصِّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ، وَيَقْتُلُ المَسِيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ يَمُوتُ فِي الأَرْضِ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى رَادًّا عَلَى أَهْلِ الكِتَابِ قَوْلَهُمْ بموت المسيح: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 157، 158]
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ [آل عمران:55].
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ:
"عِيسَى عليه السلام حَيٌّ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي "الصِّحِيحِ" عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "يَنْزِلُ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، وَإِمَامًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الجِزْيَةَ"، وَثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" عَنْهُ: أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقَيْ دِمَشْقَ، وَأَنَّهُ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَمَنْ فَارَقَتْ رُوحُهُ جَسَدَهُ، لَمْ يَنْزِلْ جَسَدُهُ مِنَ السَّمَاءِ، وَإِذَا أُحْيِيَ فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ قَبْرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [آل عمران: 55]
فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ المَوْتَ؛ إِذْ لَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ المَوْتَ لَكَانَ عِيسَى فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ المُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ اللهَ يَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ وَيَعْرُجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ خَاصِّيَّةٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وَلَوْ كَانَ قَدْ فَارَقَتْ رُوحُهُ جَسَدَهُ لَكَانَ بَدَنُهُ فِي الأَرْضِ كَبَدَنِ سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 157، 158]
فَقَوْلُهُ هُنَا: ﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ يُبَيِّنُ أَنَّهُ رَفَعَ بَدَنَهُ وَرُوحَهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّهُ يَنْزِلُ بِبَدَنِهِ وَرُوحِهِ؛ إِذْ لَوْ أُرِيدَ مَوْتُهُ لَقَالَ: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ، بَلْ مَاتَ.
وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ العُلَمَاءِ: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيك ﴾ َ أَيْ: قَابِضُكَ، أَيْ: قَابِضُ رُوحَكَ وَبَدَنَكَ، يُقَالُ: تَوَفَّيْتُ الحِسَابَ وَاسْتَوْفَيْتُهُ.
وَلفْظَةُ التَّوَفِّي لَا يَقْتَضِي نَفْسُهُ تَوَفِّي الرُّوحِ دُونَ البَدَنِ، وَلَا تَوفَيِّهِمَا جَمِيعًا، إِلَّا بِقَرِينَةٍ مُنْفَصِلَةٍ.
وَقَدْ يُرَادُ بِهِ تَوَفِّي النَّوْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [الزمر: 42] ، وَقَوْلِهِ:﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ﴾ [الأنعام: 60] ، وَقَوْلِهِ: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ﴾ [الأنعام: 61] "اهـ[2].
صِفَةُ نُزُولِهِ، وَمَهَامُّهُ عليه السلام:
بَعْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَإِفْسَادِهِ فِي الأَرْضِ، يَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عليه السلام لِيَقْتُلَهُ، وَيَحْكُمَ بِالقِسْطِ،ِ وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَعُمَّ الخَيْرُ.
وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ صِفَةُ نُزُولِهِ وَالمَكَانُ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ، وَقَتْلُهُ لِلدَّجَّالِ، فَفِي الحَدِيثِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِلدَّجَّالِ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلَهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ"[3].
وَعَنْ أَبِي هُرْيَرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ، حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 159] [4].
فَقَدْ فَسَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الآيَةَ، بِأَنَّ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ سَيُؤْمِنُ بِهِ عليه السلام قَبْلَ مَوْتِهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِهِ عليه السلام آخِرَ الزَّمَانِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَيْضًا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ؛ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابنِ مَرْيَمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنِي نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ... فَيُهْلِكُ اللهُ فِي زَمَانِهِ المَسِيحَ الدَّجَّالَ، وَتَقَعُ الأَمَنَةُ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الأُسُودُ مَعَ الإِبِلِ، وَالنِّمَارُ مَعَ البَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الغَنَمِ، وَيَلْعَبُ الصِّبْيَانُ بِالحَيَّاتِ لَا تَضُرُّهُمْ"[5].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ؟"[6].
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ"، قَالَ: "فَيَنْزِلُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءَ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ"[7].
مُدَّةُ بَقَائِهِ فِي الأَرْضِ بَعْدَ نُزُولِهِ، وَوَفَاتُهُ عليه السلام:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "... فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ"[8].
وَجَاءَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ، لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ، فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ"[9].
وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى بَعْضِ العُلَمَاءِ، وَحَاوَلَ بَعْضُهُمُ الجَمْعَ بَيْنَ الحَدِيثَيْنِ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رضي الله عنه: "وَيُشْكَلُ بِمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الأَرْضِ سَبْعَ سِنِينَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ السَّبْعَ عَلَى مُدَّةِ إِقَامَتِهِ بَعْدَ نُزُولِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُضَافًا لِمُكْثِهِ بِهَا قَبْلَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَعُمْرُهُ إِذْ ذَاكَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً بِالمَشْهُورِ"[10].
قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرْيَرَةَ رضي الله عنه نَصٌّ فِي تَحْدِيدِ مُدَّةِ بَقَائِهِ عليه السلام عَلَى الأَرْضِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ فَلَيْسَ فِي تَحْدِيدِ مُدَّةِ بَقَائِهِ، وَإِنَّمَا فِي تَحْدِيدِ المُدَّةِ الَّتِي يَمْكُثُ فِيهَا النَّاسُ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
[1] انظر "تفسير الطبري" (25/ 90- 91).
[2] "مجموع الفتاوى" (4/ 322- 323).
[3] أخرجه مسلم (2937).
[4] متفق عليه: أخرجه البخاري (3448) واللفظ له، ومسلم (155).
[5] أخرجه أحمد (2/ 406 بهامشه منتخب الكنز)، قال ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 493): إسناده صحيح.
[6] متفق عليه: أخرجه البخاري (3449)، ومسلم (155).
[7] أخرجه مسلم (156)
[8] أخرجه أحمد (2/ 406، بهامشه منتخب الكنز)، وأبو داود (4324)، وَقَالَ ابن حجر (6/ 493): صحيح، وصححه الألباني في "الصحيحة" (2182).
[9] أخرجه مسلم (2940).
[10] انظر "النهاية في الفتن والملاحم" (1/ 146).
ومن الموسوعة العقدية
نزول عيسى بن مريم عليه السلام
أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن اليهود لم
يقتلوا رسوله عيسى بن مريم، قال تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ
وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ
مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ
يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إليه وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:157-158]. وأشار الحق في كتابه أن عيسى سينزل في
آخر الزمان وأن نزوله سيكون علامة دالة على قرب وقوع الساعة قال تعالى: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ [الزخرف:61] كما أخبر أن أهل الكتاب سيؤمنون به قال
تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء:159]، كما أخبرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم بنزوله فقال: ((ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي
دمشق)) (1)
//
. وقد وصف لنا الرسول صلى الله عليه وسلم حاله عند
نزوله فقال: ((ليس بيني وبين عيسى نبي وإنه نازل فإذا رأيتموه
فاعرفوه رجل مربوع على الحمرة والبياض ينزل بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه
بلل))
(2) . ويكون نزوله في وقت اصطف فيه المقاتلون المسلمون
لصلاة الفجر، عن جابر بن عبدالله قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى
يوم القيامة - قال - فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم:
تعال صل لنا. فيقول: لا. إن بعضكم على بعض أمراء. تكرمة الله هذه الأمة))
(3) . ويحكم بعد نزوله بكتاب الله تبارك وتعالى، عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمَّكم منكم؟)).
وقد قال أحد رواة الحديث وهو ابن أبي ذئب للوليد بن مسلم:
تدري ما أمكم منكم؟ قال تخبرني، قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم
صلى الله عليه وسلم (4) . ويقتل
الدجال وهو أول عمل يقوم به بعد نزوله... ويبقى عيسى في الأرض أربعين عاما كما ثبت
ذلك عن أبي هريرة: ((فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه
المسلمون)) (5) (11)
أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم، حكما
عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية)) (6) الحديث وفي رواية لمسلم عنه ((والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلاً فليكسرن الصليب))
(7) بنحوه.
وأخرج مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى
يوم القيامة قال: فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا فيقول: لا، إن
بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة)) (8) .
وقال العلامة في (البهجة) (9) : (هو - أي نزول عيسى - ثابت بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة أما الكتاب فقوله
تعالى وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء: 159] أي: ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك عند نزوله من
السماء آخر الزمان، حتى تكون الملة واحدة، ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً، ونوزع في
الاستدلال بهذه الآية: وإن الضمير في قوله (قبل موته) لليهود ويؤيده قراءة أبي قبل
موتهم (10)
.
وأما السنة فلا نزاع فيها.
وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف
فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة، وقد انعقد إجماع
الأمة على أنه متبع لهذه الشريعة المحمدية، وليس بصاحب شريعة مستقلة، عند نزوله من
السماء. (12) انظر أيضا:
· تمهيد./ المبحث الأول: الدخان ./ المبحث الثاني: فتنة المسيح الدجال./المبحث الثالث: ابن صياد وهل هو الدجال الأكبر؟ وأقوال العلماء فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق