علامات الساعة الصغرى
ضياع الأمانة والسلام على الخاصة
5- أن تلد الأَمَةُ ربتها:
ومن علامات السَّاعة أن تلد الأَمَةُ المملوكة ولداً يكون له السِّيادة عليها.
• كما جاء في الحديث الطويل الذي أخرجه الإمام مسلم وفيه:
"أن
جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن
السَّاعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من
السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأَمَةُ ربتها".
• وفي رواية أخرى عند مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام:
"وسأخبرك عن أشراطها: إذا ولدت الأَمَةُ ربتها".
• وفي رواية لمسلم: "إذا ولدت الأَمَةُ ربَّها".
• واختلف العلماء في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا ولدت الأَمَةُ ربَّها" على أقوال:
منها:
أن يطأ الرجل الحرُّ أَمَتَهُ – أي جاريته المملوكة بمِلْكِ اليمين –
فتحمل منه ثم تنجب ولداً، فيصبح الولد شاباً حراً، وأبوه حيٌّ وأمُّه لا
تزال أَمَةً مملوكةً، فيكون الولد بمثابة السَّيِّد لأُمِّهِ.
وقيل: بأن الإِماء يلدن الملوك، فتصير الأمُّ من جملة الرَّعية، والملك سيد رعيته.
(شرح النووي على مسلم: 1/158).
وقيل: أن يبيع السادة أمهات أولادهم؛ فيتداولونهم إلى أن يشتري الولد أُمَّه وهو لا يعرفها.
وقيل: هو أن يكثر العقوق؛ فيعامل الولد أُمَّه معاملة السيد لأَمَتِهِ من القسوة، والجفاء، والإهانة، والسبّ، والضرب.
وقيل: هذا كناية عن قلب الموازين.
6- تطاول الحفاة العراة رعاة الشاة في البنيان:
من
علامات الساعة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وظهرت، هي تطاول
أهل البوادي وأشباههم في البنيان، فيبنون العمارات والأبنية متعددة
الأدوار، ويتباهون في ارتفاعها، ويتنافسون في ذلك، بعد أن كانوا حفاة عراة
يرعون الغنم.
ودليل ذلك:-
• ما أخرجه الإمام مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
"بينما
نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجلٌ شديدُ بياض
الثياب، شديد سواد الشعر- وفي الحديث - قال: فأخبِرْنِي عن الساعة؟ قال: ما
المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد
الأمة ربَّتها، وأن ترى الحفاة[1] العراة[2] العالة رعاء الشاء [3]
يتطاولون في البنيان[4]..." الحديث.
• وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للسائل عن وقت قيام الساعة:
"ولكن سأحدثك عن أشراطها... وإذا تطاول رعاء البهائم في البنيان..." الحديث.
وفي رواية في "الصحيحين": "لا تقوم الساعة... وحتي يتطاول الناس في البنيان".
وعند
الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
أخبر جبريل عليه السلام بأمارات الساعة فقال: "إذا رأيت الأَمَةَ ولدت
ربَّتها أو ربَّها، ورأيت أصحاب الشاء يتطاولون في البنيان ورأيت الحفاة
الجياع العالة كانوا رءوس الناس، فذلك من معالم الساعة وأشراطها، قال: يا
رسول الله، ومَن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: العرب". (السلسلة
الصحيحة: 1345).
قال ابن رجب رحمه الله في تعليقه على الحديث: "مضمون
ما ذكر من أشراط الساعة في هذا الحديث يرجع إلى أن الأمور تُوَسَّد إلى غير
أهلها"، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمَن سأله عن الساعة:
"إذا
وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" فإذا صار الحفاة العراة رعاء
الشاء، وهم أهل الجهل والجفاء رءوس الناس وأصحاب الثروة والأموال حتى
يتطاولوا في البنيان فإنه يفسد بذلك نظام الدين والدنيا. (جامع العلوم
والحكم: ص39).
7- وقوع التناكر بين الناس:
فقد أخرج الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه قال:
"سُئِل
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة؟ فقال: علمها عند ربي لا يجلِّيها
لوقتها إلا هو، ولكن أخبركم بمشاريطها، وما يكون بين يديها، إن بين يديها
فتنة وهرجاً، قالوا: يا رسول الله، الفتنة قد عرفناها، فالهرج ما هو؟ قال:
"بلسان الحبشة: القتل، ويُلقى بين الناس التناكر، فلا يكاد أحدٌ يعرف
أحداً" (قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/309): ورجاله رجال الصحيح).
وتلك
العلامة ظهرت بين الخواص، فضلاً عن العوام، فالتناكر انتشر بين المسلمين
انتشار النار في الهشيم، والعلاقات بين الناس بُنِيَت على المصالح الشخصية
الواهية، والواقع يشير بقوة لصدق هذا الحديث، فقد أصبح كثير من الناس لا
يكاد يعرف أقاربه، حتى ربما التقى الأقارب في أماكن عامة فلا يعرف بعضهم
بعضاً، وأصبح الجار لا يعرف جاره، وغير ذلك من صور التفريط والتي تستشري
وتنتشر فى آخر الزمان، ولعل ذلك من كثرة الفتن وانشغال الناس كلٌّ بحاله.
أضف
إلى هذا: أن كثرة الفتن والمحن، وكثرة القتال بين الناس أدَّى إلى وقوع
التناكر بينهم، بالإضافة إلى أن الدنيا دخلت قلوب الناس واستولت عليها،
وكلٌّ يعمل لحظ نفسه، فكثرت الأنانية، وسيطرت عليهم الأهواء والشهوات؛ فوقع
التناكر بين الناس.
8- التسليم على الخاصة:
ومن علامات الساعة تسليم الخاصة، وهو أنْ لا يُلقِي الرجل السلام إلا على مَنْ يعرفه، ويدع السلام على مَنْ لا يعرف.
• أخرج الإمام أحمد عن طارق بن شهاب قال:
كنا
عند عبد الله جلوساً، فجاء رجلٌ فقال: قد أقيمت الصلاة، فقام وقمنا معه،
فلما دخلنا المسجد رأينا الناس ركوعاً فى مقدم المسجد، فكبّر وركع وركعنا،
ثم مشينا وصنعنا مثل الذي صنع، فمرَّ رجلٌ يسرع، فقال: السلام عليك يا أبا
عبد الرحمن، فقال: صدق الله ورسوله، فلما صلَّيْنا ورجعنا دخل على أهله
جلسنا، فقال بعضنا لبعض: أما سمعتم ردَّه على الرجل: صدق الله وبلَّغَتْ
رُسُلُه، أيُّكم يسأله؟ فقال طارق: أنا أسأله، فسأله حين خرج، فذكر عن
النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشوَ التجار؛
حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان
شهادة الحق، وظهور القلم".
(السلسلة الصحيحة: 647).
• وأخرج الإمام أحمد كذلك وابن خزيمة عن أبي الجعد قال:
"لقى
عبدَ الله رجلٌ، فقال: السلام عليك يا بن مسعود، فقال عبد الله: صدق الله
ورسوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن من أشراط الساعة، أن
يمرَّ الرجلُ فى المسجد لا يُصلَّي فيه ركعتين، وألا يسلم الرجل إلا على
مَنْ يعرف" (السلسلة الصحيحة: 648).
• وفى رواية عند أحمد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن من أشراط الساعة: أن يُسلِّم الرجلُ على الرجلِ لا يُسلِّم عليه إلا للمعرفة"
(قال أحمد شاكر: إسناده صحيح).
وفى رواية أخرى عند الإمام أحمد أيضاً:
"إن من أشراط الساعة إذا كانت التَّحية على المعرفة".
وعند
الطبراني: "لا تكون الساعة حتى يكونَ السلامُ على المعرفة"، والتسليم على
المعرفة فقط خلاف السُّنَّة، التي دعت إلى إفشاء السلام وإلقائه على مَنْ
عرفت ومَنْ لم تعرف.
ففي "الصحيحين": "أن رجلاً سأل النبى صلى الله عليه
وسلم: أيُّ الإسلام خير؟ قال: تُطْعِم الطعام، وتقرأ السلام على مَنْ عرفت
ومَنْ لم تعرف".
• وإلقاء السلام سبب للمحبة والألفة بين الناس وهى سبب لدخول الجنة:
فقد
أخرج الإمام مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدخلوا الجنة حتى
تؤمنوا؛ ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟
أفشوا السلام بينكم"
9- فشو التجارة، ومشاركة المرأة لزوجها في التجارة، وسيطرة بعض التجار على السوق:
جاء
في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والبزار والحاكم عن عبدالله بن مسعود
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة
التسليم على الخاصة، وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة".
وفشو
التجارة هو كثرتها وانتشارها واشتغال الناس بها لسهولة أمرها، ممَّا دعى
إلى أن المرأة تشارك زوجها في التجارة لغرض جمع المال، لكن مع غياب الوازع
الديني، وانتشار الفساد، وعدم تحري الحلال يقع الناس في الحرام؛ ولا يبالون
من أي مصدر كان هذا المال، أَمِن حلال أم من حرام؟ وهذا ما أخبر به الحبيب
النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ليأتينَّ على الناس زمانٌ، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أَمِن حلال أم من حرام؟".
• فالخلاصة أن فشو التجارة بهذا الشكل علامة من علامات الساعة.
وقد مر بنا في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن طارق بن شهاب قال:
"كنا
عند عبدالله جلوساً..." فذكر الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها
على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور
القلم".
وأخرج النسائي عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة: أن يفشو المال ويكثر، وتفشو
التجارة، ويظهر الجهل، ويبيع الرجل البيع، فيقول: لا. حتى أستأمر تاجر بني
فلان، ويلتمس في الحي العظيم الكاتب فلا يوجد".
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يبيع الرجل البيع فيقول: لا. حتى أستامر تاجر بني فلان".
يُفهم
منه أن تُجَّاراً كِباراً ولعلهم أصحاب رءوس الأموال أو الوكلاء المعتمدون
للسلع تصديراً أو استيراداً، لعل هؤلاء يسيطرون على السوق ويتحكمون في
الأسعار، فلا يستطيع التُجَّار الصغار التصرف بتجارتهم إلا بإذنهم.
• أو يشترط عند البيع إثبات الخيار لتاجر آخر.
وقوله
صلى الله عليه وسلم: "ويلتمس في الحي العظيم الكاتب فلا يوجد" وذلك لأن
النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في أحاديث أخرى بانتشار الكتابة، وهذا قد
تمَّ في هذا العصر من انتشار أجهزة الكتابة الحديثة مثل أجهزة الكمبيوتر،
والهاتف المحمول، وأجهزة ترجمة الصوت إلى نصوص مكتوبة... وما شابه ذلك؛
فينشأ جيل لا يعرف الكتابة باليد أو لا يتقنها.
وذكر السندي في "حاشيته على سنن النسائي":
"أن المراد هنا أن يلتمس ممَّن يكتب عقد التجارة ويتقن شروط البيع وأحكامه، فيكتب بين الناس احتساباً غير طامع في مكافأة فلا يوجد.
10- تقارب الأسواق:
وهذه علامة من علامات الساعة وقد ظهرت كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:
فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق".
(السلسلة الصحيحة: 2772).
وأخرج ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يوشك أن لا تقوم الساعة حتى يُقْبَضَ العلم، وتظهر الفتن، ويكثر الكذب، ويتقارب الزمان، وتتقارب الأسواق".
والمقصود بتقارب الأسواق هو:-
الأول: سرعة العلم بما يكون فيها من زيادة السعر ونقصانه من خلال وسائل الاتصال.
الثاني:
سرعة السير من سوق إلى سوق ولو كانت مسافة الطريق بعيدة جداً، وذلك عن
طريق وسائل المواصلات السريعة، التي جعلت المدن متقاربة، وهذا الذي رجَّحه
الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله الثالث: مقاربة بعضها بعضاً في الأسعار،
واقتداء بعض أهلها ببعض في الزيادة والنقصان - والله أعلم.
11- ضياع الأمانة ورفعها من القلوب:
بداية لابد أن نعلم أن الأصل في الإنسان أنه أمين.
يقول محمد رشيد رضا رحمه الله كما في "تفسيره المنار" (5/176):
"الأصل أن يكون الناس أمناء، يقومون بوازع الفطرة والدين والخيانة خلاف الأصل. اهـ.
ومما يدل على أن الأمانة هي الأصل وأنها مركوزة في الفطرة.
ما أخرجه البخاري ومسلم عن حذيفة قال:
"حدثنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر،
حدثنا: أن الأمانةَ نزلت في جَذْرِ[5] قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم
علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها، قال: ينام الرجل نومه فتقبض الأمانة من
قلبه، فيظلُّ أثرها مِثلَ أثر الوَكْتِ[6]، ثم ينام النومة فتقبض، فيبقى
فيها أثرها مثل أَثَرِ المَجْلِ[7]، كجمرٍ دحرجته على رجلك فَنَفِطَ[8]،
فتراه مُنْتَبِراً[9] وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد
أحدُهُم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل:
ما أعقله، وما أظرفه، وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبةِ خردلٍ من إيمان،
يقول حذيفة: ولقد أتى عليَّ زمانٌ ولا أبالي أيكم بايعت[10] لئن كان مسلماً
رده عليَّ الإسلام، وإن كان نصرانياً ردَّه عليَّ ساعيه، وأما اليوم فما
كنت أبايع[11] إلا فلاناً وفلاناً".
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم
في الحديث السابق أن سبب ضياع الأمانة؛ فساد سرائر الناس، وقلة إيمانهم؛
لأن هناك علاقة وثيقة بين الإيمان والأمانة؛ فإذا ضاع الإيمان فلا أمانة.
فقد أخرج الإمام أحمد وابن حبان عن أنس رضي الله عنه قال:
"ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: لا إيمان لمَن لا أمانة له، ولا دين لمَن لا عهد له".
(صحيح الجامع: 7179).
وكان عروة بن الزبير رضي الله عنه يقول: "ما نقصت أمانة الرجل إلا نقص إيمانه".
ولذلك لا يتصور من المؤمن خيانة.
فقد
أخرج البيهقي في "سننه" وأبو يعلى في "مسنده" عن سعد بن أبي وقاص رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يطبع المؤمن على كلِّ خلةٍ غيرَ
الخيانة والكذب".
لكن مع تطاول الزمان وفساد الأخلاق تُرْفَع الأمانة، وهي أول ما سترفع من قلوب الناس.
فقد أخرج الحكيم من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أول ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى من دينهم الصلاة، ورب مُصَلٍّ لا خلاق له عند الله تعالى" (صحيح الجامع: 2575).
فإذا
ضاعت الأمانة ورُفِعَت من قلوب الرجال فانتظر الساعة؛ لأنه ستنقلب
الموازين، وتفسد سرائر الناس، ويتولى مقاليد الأمور غير الأمناء؛ فتسود
الفوضى، ويعم الفساد، وهذا أكبر مقتل يفسد نظام الحياة.
أخرج البخاري عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس
يحدث القوم؛ جاءه أعرابي، فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فَكَرِهَ ما قال، وقال بعضهم: بل لم
يسمع، حتى إذا قضى حديثه، قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: هاأنا يا
رسول الله. قال: فإذا ضُيِّعَتِ الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟
قال: إذا وُسِّدَ [12] الأمرُ إلى غير أهله فانتظر الساعة".
فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن إضاعة الأمانة من علامات الساعة.
ومن
مظاهر إضاعة الأمانة إسناد الأمور المتعلقة بالآخرة أو بالدنيا أو بهما
معاً إلى غير مستحقيها، كالقضاء والإفتاء والتدريس والقيادات وسائر الوظائف
العامة، وإنما دلَّ ذلك على دنو الساعة لما فيه من خيانة للرعاة والرعية؛
ينتج عنها تفويت الحقوق وإضاعة المصالح.
12- تخوين الأمين واختلال الموازين:
وهذه
من علامات الساعة، وقد تقدَّم في العلامة السابقة أن رفع الأمانة من
علامات الساعة، وأن يُوسَّد الأمر إلى غير أهله، وكذلك من علامات الساعة
تخوين الأمين، وهو أن يُشَك فيه، ولا يوثق في أمانته وصدقه، بينما يوثق في
الكاذب والمنافق، وهذا قلب للحقائق واختلال الموازين.
وهذا ما أخبر به الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم:
فقد أخرج الإمام أحمد والبزار عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن من أشراط الساعة: الفحش والتَّفحُّش، وقطيعة الرحم، وتخوين الأمين، وائتمان الخائن".
وعند الإمام أحمد أيضاً وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"سيأتي
على الناس سنوات خداعات - وفي رواية: سنون خدَّاعة - يصدق فيها الكاذب،
ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين".
(السلسلة الصحيحة: 1888) (صحيح الجامع: 3650).
وقال الشعبي رحمه الله: "لا تقوم الساعة حتى يصير العلم جهلاً، والجهل علماً".
وعند الإمام أحمد كذلك من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أمام الناس سنين خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، فيُخوَّن فيها الأمين، ويُؤْتَمن الخائن".
وأخرج البزار عن عمرو بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن بين يدي الساعة سنين خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين..." الحديث.
فقد
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: أن المقاييس التي يقوم بها
الرجال تختل قبل قيام الساعة، فيقبل قول الكذَّاب ويصدق، ويرد قول الصادق،
ويؤتمن الخونة على الأموال والأعراض، ويُخوَّن الأمناء ويتهمون، ويتكلَّم
التافهون من الرجال في القضايا التي تهم عامة الناس وقد كان كما أخبر النبي
صلى الله عليه وسلم.
[1] الحفاة: الذين لا نعل بأرجلهم.
[2] العراة: الذين لا ثوب يستر أجسادهم.
[3] رعاء الشاء: حراس الغنم، وهم أشد الناس فقراً.
[4]
يتطاولون في البنيان: هو التفاخر بالعمارات الشاهقة والتنافس فيها مع
زخرفتها داخلاً وخارجاً، بعد أن كان أصحابها يعيشون في خيام الشعر، ويرعون
الشاء حفاة عراة لشدة فقرهم، وقد حدث ولازال يحدث، حيث بُسِطَتْ الدنيا
للأعراب، فزادت أدوار بعض أبنيتهم عن الثلاثين، وفي ذلك معجزة رأها الناس
اليوم، ولم يرها أهل القرن السالف.
[5] الجَذْر: الأصل من كل شيء.
[6] الوَكْت: جمع "الوكته"، وهو الأثر اليسير في الشيء كالنقطة فيه، ومعني الحديث يكون لا أثر في قلبه.
[7] المَجْل: قشور رقيقة يجمع فيها ماء تحت الجلد من أثر العمل تشبه البثر.
[8]
نفط: أي ورم وامتلأ ماء. قال الحافظ - رضي الله عنه - في "الفتح" (13/39:
"وحاصل الخبر أنه أنذر برفع الأمانة، وأن الموصوف بالأمانة يسلبها حتى يصير
خائناً بعد أن كان أميناً، وهذا إنما يقع على ما هو شاهد لمَن خالط أهل
الخيانة، فإنه يصير خائناً لأن القرين يقتدي بقرينه.
[9] منتبراً: مرتفعاً.
[10]
قال الحافظ - رحمه الله - في "الفتح" (13/39: "قوله:"ولقد أتى عليَّ
زمانٌ" يشير إلى حال الأمانة أخذ في النقص من ذلك الزمان، وكانت وفاة حذيفة
في أول سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان بقليل، فأدرك بعض الزمن الذي وقع فيه
التغير، فأشار إليه. قال ابن التين: "الأمانة كل ما يخفى ولا يعلمه إلا
الله من المُكلَّف. وعن ابن عباس: - رضي الله عنه - "هي الفرائض التي
أُمِرُوا بها ونُهُوا عنها. وقيل:هي الطاعة. وقيل: التكاليف. وقيل: العهد
الذي أخذه الله على العباد.
[11] المراد بقوله: "بايعت": من البيع
والشراء، أي: أنه كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد
الصحابة يطمئن في بيعه وشرائه إلى مَن يبايعهم ويشتري منهم؛ لتوفر الأمانة
وتوطنها في قلوب الناس، وحتى إن حديث خيانة أو خطأ... أو نحو ذلك من بعض
البائعين والمشترين، فالوالي أو القاضي أو الساعي أو الأمير يرد إليَّ
مظلمتي وحقي، أما الآن فقلَّت الأمانة وقلَّ مَن يبحثون عن رد الحقوق إلى
أهلها، والأخذ على يد الظالم، فدفعني ذلك إلى أن لا أبيع ولا أشتري إلا مع
من أثق به والله أعلم.
[12] قال الحافظ في "الفتح" (1/143: قوله: "إذا
وسد": أي أُسند، وأصله من الوسادة، وكان من شأن الأمير عندهم إذا جلس أن
تثنى تحته وسادة، فقوله: "وُسد" أي جعل له غير أهله وساداً؛ فتكون "إلى"
بمعني "اللام" وأتى بها ليدل على تضمين معني "أسند"، ولفظ محمد بن سنان في
"الرقاق": "أسند". ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "وإسناد الأمر إلى غير
أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم، وذلك من جملة الأشراط"
=================من 22 الي ==========
علامات الساعة الصغرى
تداعي الأمم على الأمة الإسلامية
22- أخذ الأجرة على قراءة القرآن
قراءة القرآن عبادة وقربة، والأصل أن العبادات لا تصرف لطلب الدنيا، وإنما تبذل للآخرة وابتغاء وجه الله.
ومن
علامات الساعة أنه سيجيء أقوام يقرءون القرآن ويحسِّنون أصواتهم في مجالس
العزاء والمناسبات؛ ليأخذوا على ذلك أموالاً أخرج الإمام أحمد عن عمران بن
حصين رضي الله عنه:
"أنه مر برجل وهو يقرأ على قومٍ، فلما فرغ سألهم
مالاً! فقال عمران: إنا لله وإنا إليه راجعون، إني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: مَن قرأ القرآن فليسأل الله تبارك وتعالى به، فإنه سيجيء
قوم يقرؤون القرآن يسألون الناس به". (حسنه الأرنؤوط في تعليقه على
المسند).
وأخرج أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
"خرج
علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي
والعجمي، فقال: اقرءوا، فكل حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح[1]،
يتعجلونه ولا يتأجلونه[2] "
• وكان هناك ضرير يجالس سفيان الثوري، فإذا
كان شهر رمضان يخرج إلى السواد، فيُصلِّي بالناس فيُكسى ويُعطى، فقال
سفيان: إذا كان يوم القيامة أثيب أهل القرآن من قراءتهم، ويقال لمثل هذا:
(وأشار على الرجل الضرير) قد تعجَّلت ثوابك في الدنيا، فقال: يا أبا عبد
الله، تقول لي هذا وأنا جليسك؟ قال: أخاف أن يقال لي يوم القيامة: كان هذا
جليسك أفلا نصحته؟.
• وقال ميمون بن مهران: يا أصحاب القرآن! لا تتخذوا
القرآن بضاعة تلتمسون به الربح في الدنيا، اطلبوا الدنيا بالدنيا، والآخرة
بالآخرة.
تنبيه:
وتعَلُّم القرآن وتعليمه من أجل عرضٍ من أعراض
الدنيا أمر مذموم نهى الشرع عنه، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن أول
من ستُسَعَّر به النار: رجلٌ قرأ القرآن لا من أجل الله، ولكن من أجل
السمعة وطلب الثناء عليه".
وهناك مَن يطلب القرآن للآخرة، لكن يأخذ
أجرة، وهذا الذي اختلف أهل العلم فيه: فمنهم مَن منع؛ وهو قول الحنفية،
وأحد الوجوه عند الإمام أحمد، ونقله البعض عن الزهري، وإسحاق، وأما جمهور
أهل العلم: فعلى الجواز، وممَّن قال بهذا الشافعين ومالك، والإمام أحمد في
إحدى الروايات، وهو قول المتأخرين من الحنفية، وقول عطاء، وأبي قلابة، وأبي
ثور، وابن المنذر، والحسن بن صالح، وإسحاق، وابن حزم، والبغوي، والمناوي،
والقرطبي، والنووي، وابن حجر، والصنعاني، والمباركفوري، وهو قول العلامة
ابن باز صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الأرجح.
يقول ابن حزم صلى الله عليه وسلم كما في "المحلى" (9/193):
"الإجارة
جائزة على تعليم القرآن، وعلى تعليم العلم مشاهرةً وجملةً، وكل ذلك جائز،
وعلى الرُقى، وعلى نسخ المصاحف، ونسخ كتب العلم؛ لأنه لم يأتِ في النهي عن
ذلك نصٌ، بل قد جاءت الإباحة كما روينا عن ابن عباس... ثم ذكر حديث اللديغ
وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجراً
كتاب الله..." الحديث، والخبر المشهور: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
زوَّج امرأةً من رجلٍ بما معه من القرآن" أي: ليعلمها إياه. اهـ
فجعل
النبي صداق هذه المرأة القرآن، وخروجاً من هذا الخلاف: حبذا لو جعلنا أخذ
الأجرة على حبس الوقت لا على تعليم القرآن؛ فإنه أفضل، وخروجاً من الخلاف،
والله أعلم.
23-اتباع سنن الكافرين:
وهذه علامة أخبر عنها النبي صلى
الله عليه وسلم، وقد وقع ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وتحقق، فراح
المسلمون يقلدون ويتشبهون بمَن لا خلاق لهم من اليهود والنصارى.
أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا
تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها [3] شبرا بشبرٍ، وذراعاً
بذراعٍ، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ قال: ومَن الناس إلا أولئك".
وقد
وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فراح شبابنا يقلِّدون شبابهم،
ونساؤنا يقلدن نساءهم، فرأينا ما رأينا من العجب العجاب، من تبرُّج وسفور
واختلاط وربا وزنا وخنا وفجور وسماع الأغاني وشرب المخدرات والخمور، بل راح
شبابنا ونساؤنا يقلِّدوهم حتى في ترجيل الشعر، ونمص الوجه.
وصدق الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال كما عند البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
"لتتبِعُنّ
سنن الذين مَن قبلكم شبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ، حتى لو دخلوا في جحر ضب
لتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمَن؟ [4]"
وعند الحاكم في "المستدرك" عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لتركبُنّ
سَنَن مَن كان قبلكم، شبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ، حتى لو أن احدهم دخل
جُحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه"
أخرج الترمذي والإمام أحمد عن أبي واقدٍ اللَّيثيِّ:
"أنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لمَّا خرجَ إلى حُنَيْن مرَّ بِشجرةٍ
للمُشركينَ يقالُ لها: ذاتُ أنواطٍ يُعلِّقونَ عليها أسلحتهُم، فقالوا: "
يا رسولَ اللهِ؛ اجْعلْ لنا ذاتَ أنواطٍ كما لهمْ ذاتَ أنواطٍ، فقَالَ
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: سُبحانَ اللهِ! هذا كما قال قومُ موسى: ﴿
اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ [الأعراف:138]، والَّذي
نَفْسي بيدهِ لتركَبُنَّ سُنَّةَ مَن كانَ قبلكُمْ" (أخرجه الترمذي (2271)
وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ)
تنبيه:
لا بأس من تقليد أهل الكفر فيما ينفع
المسلمين، كالاستفادة من مخترعاتهم وتجاربهم العلمية الحديثة، والاستفادة
من خبراتهم الإدارية في المصالح والمؤسسات الحكومية ممَّا لا يخالف ديننا.
24- أن يأكل القوي الضعيف
وهذه علامة من علامات الساعة نراها رأي العين على مستوى الدول والأفراد.
أخرج الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ:
"يَا
عَائِشَةُ، قَوْمُكِ أَسْرَعُ أُمَّتِي بِي لَحَاقًا[5]، قَالَتْ:
فَلَمَّا جَلَسَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ
فِدَاءَكَ، لَقَدْ دَخَلْتَ عَلَيَّ وَأَنْتَ تَقُولُ كَلَامًا ذَعَرَنِي،
قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: تَزْعُمُ أَنَّ قَوْمِي أَسْرَعُ أُمَّتِكَ
بِكَ لَحَاقًا، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: وَمِمَّ ذَاكَ؟ قَالَ:
تَسْتَحْلِيهِمْ الْمَنَايَا[6] وَتَنَفَّسُ عَلَيْهِمْ أُمَّتُهُمْ،
قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَكَيْفَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ - أَوْ عِنْدَ ذَلِكَ؟
- قَالَ: دَبي[7] يَأْكُلُ شِدَادُهُ ضِعَافَهُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِمْ
السَّاعَةُ" (السلسلة الصحيحة:1953)
25- تداعي الأمم على الأمة الإسلامية
وهذه علامة ظهرت ولا تزال تتكرَّر على مر العصور فقد أخرج أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يُوشِك
الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها[8]، فقال قائل: من قلة
نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء[9] كغثاء السيل، ولينزعن
الله من صدورهم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوَهْن[10]، قيل:
وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت". (السلسلة الصحيحة:
958)
ورواه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لثوبان:
كيف
بك يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها؟ فقال
ثوبان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أَمِن قلة بنا؟ قال: لا، بل أنتم يومئذ
كثير، ولكن يُلقى في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "
حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال"
وأخرجه كذلك الإمام أحمد بلفظ آخر عَنْ
ثَوْبَانَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ
الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى
قَصْعَتِهَا، قال: قُلْنَا: يا رسول الله، أمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟
قَالَ: أَنْتُم كَثِيرٌ، وَلَكِن تكُونون غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ،
يُنْتَزعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيُجْعَلُ فِي
قُلُوبِكُمُ الْوَهَنُ، قال: قُلْنَا: وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ
الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ"
إن اعتصام هذه الأمة بدينها
ووحدتها حاجز يقف دون مطامع أعدائها، فمهما كان مكر الأعداء وقوتهم فإنهم
لن ينالوا من هذه الأمة نيلاً إذا كانت متحدة، وفي الحديث الذي يرويه مسلم
عن ثوبان رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "وإني سألت ربي
لأُمَّتِي أن لا يهلكها بسَنَةٍ عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى
أنفسهم، فيستبيح بيضتهم[11]، وان ربي قال: يامحمد، إني إذا قضيت قضاء فإنه
لايرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة [12]، وأن لا أسلط عليهم
عدواً من سوى أنفسهم، يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها، - أو
قال من بين ِأقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً"
وواضح
من الحديث أن وحدة الأمة عصمة لها من اعدائها فإذا أصبح بأسها بينها،
ووقعت الفرقة والاختصام فيما بينها؛ سلَّط الله عليها أعداءها، وتلك نتيجة
حتمية لأن قوتها في هذه الحال لا تتجه إلى الأعداء بل إلى نفسها؛ فتدمِّر
نفسها بنفسها؛ مما يطمع أعداءها فيها.
26- الرؤيا الصادقة للمؤمن
الرؤى
والأحلام في المنام لها معانٍ وأحكام، منها ما هو كاذب، وهذا من الشيطان،
ومنها ما يكون أضغاث أحلام وأحاديث نفسٍ، ومنها ما هو صادق كفلق الصبح، وهي
من المبشرات، كما أخبر بذلك الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد أخرج البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يبقى بعدي من النُّبُوَّة شيء إلا المبشرات، قالوا: يا رسول الله، وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرَي له".
وصدق
الرؤيا وكونها بشارة للمؤمن هي علامة على قرب الساعة ونهاية العالم، فقد
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال:
"إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تَكْذِب، وأصدقكم رؤيا
أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءاً من النبوة،
[والرؤيا ثلاث: فرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا
مما يُحدِّث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم وليتفل، ولا يحدث
بها الناس]"
قال الحافظ ابن حجر صلى الله عليه وسلم في "فتح الباري"(19/451):
"معنى
كون رؤيا المؤمن في آخر الزمان لا تكاد تكذب، أنها تقع غالباً على صفة
واضحة المعنى لا يحتاج معها إلى تعبير فلا يدخلها الكذب، بل تكون صادقة غير
كاذبة؛ لأنها طابقت الواقع بخلاف الرؤى الأخرى، فإنها قد يخفى تأويلها
فيعبِّرها العابر فلا تقع في الواقع كما عبَّر، فتكون كاذبة غير صادقة،
والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان، أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريباً
كما في الحديث:"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً" فيقل أنيس المؤمن
ومعينه، فيكرم الله المؤمن بالرؤيا الصالحة التي تثبته على الحق وتبشر به.
اهـ
وهناك احتمالات لتحديد الزمن الذي يقع فيه صدق رؤيا المؤمن:
1- أن ذلك يقع إذا قُبِضَ العلم، وغابت معالم الشريعة بسبب الفتن والقتال، فيصبح المؤمن غريباً، فيُعَوَّض بالمرائي الصالحة.
2-
أن ذلك يقع في زمان نبي الله عيسي عليه السلام؛ لأن أهل زمانه أصلح زمان
في هذه الأمة بعد الصحابة الكرام وأصدقهم أقوالاً وأحوالاً، ورؤاهم لا تكاد
تكذب. (انظر فتح الباري:19/451 )
27- زخرفة البيوت وتزيينها
وقد
بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن تزيين البيوت وزخرفتها علامة من علامات
الساعة، فقد أخرج البخاري في "الأدب المفرد" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تقوم الساعة حتى يبني الناس
بيوتاً يُوَشُّونها وَشْيَ المراحيل"(السلسلة الصحيحة:279) ومعنى المراحيل
كما جاء في "لسان العرب"(11/256): هو الثوب المزين المخطط، ومفردها: "مرحل"
ومعنى الحديث: أي أن الناس يُخطِّطُون البيوت ويزخرفونها كما تُخطَّط
الثياب وتُزخرف.
وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعني
هذا حرمة تزيين البيوت أو ستر منافذها بالستائر، ولكن المحرم هو الإسراف
في هذا، كما قال تعالى: ﴿ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام:141]
28- ارتفاع مباني مكة
أخبر النبي صلى
الله عليه وسلم أن من علامات الساعة ارتفاع المباني فوق جبال مكة وصدق
الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم فقد وقع كما أخبر.
فقد أخرج ابن أبي شيبة بسنده إلى يعلى بن عطاء عن أبيه قال:
"كنت
آخذاً بلجام دابة عبد الله بن عمرو، فقال: كيف أنتم إذا هدمتم البيت فلم
تدعو حجراً على حجر؟! قالوا: ونحن على الإسلام؟! قال: وأنتم على الإسلام،
قال: ثم ماذا؟ قال: ثم يُبنى أحسن ما كان، فإذا رأيت مكة قد بعجت كظائم
[13]، ورأيت البناء يعلو رءوس الجبال، فاعلم أن الأمر قد أظلك".
29- زخرفة المساجد والتباهي بها:
الأصل
أن المساجد دور لعبادة الله عليه السلام؛ يبنيها العبد احتساباً للأجر
والثواب، لكن في آخر الزمان سيبني الناس المساجد ويزخرفونها، ويتباهى كل
شخص بجمال وزخارف المسجد الذي بناه، وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه
وسلم وعَدَّه من أشراط وعلامات الساعة.
فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود
والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد"
(صحيح الجامع:7421) قال البخاري: قال أنس رضي الله عنه: "يتباهون بها ثم لا
يعمرونها إلا قليلاً" والمقصود بالتباهي بها هو العناية بزخرفتها.
قال أبو الطيب شمس الحق العظيم أبادي في "عون المعبود" (2/118):
"حتى
يتباهى الناس في المساجد" أي يتفاخر في شأنها أو بنائها، يعني يتفاخر كل
أحد بمسجده، ويقول: مسجدي أرفع أو أزين أو أوسع أو أحسن؛ رياء وسمعة
واجتلاباً للمدحة.
قال ابن رسلان: "هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لإخباره
صلى الله عليه وسلم عما سيقع بعده، فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها
كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس، بأخذهم
أموال الناس ظلماً وعمارتهم بها المدارس على شكل بديع، نسأل الله السلامة
والعافية. اهـ
وأخرج أبو داود بسند صحيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ ".
قال الإمام الخطابي صلى الله عليه وسلم كما في "معالم السنن" (1/121): التشييد: رفع البناء وتطويله.
وقال خير الدين وانلي - رحمه الله - في كتابه "المسجد في الإسلام" (25):
"ومما
ابتُلي به المسلمون في بناء المساجد رفع السقوف الأمتار العديدة أكثر من
المطلوب للتهوية، مما يحول دون تنظيفها، كما يحول دون دفئها في الشتاء، هذا
إلى ما في رفع السقوف من نفقات لا طائل تحتها، كان بالإمكان بناء مسجد آخر
بها".
• وقد فهم الصحابة مقصود الشرع وحذروا من زخرفة المساجد يقول أبو
الدرداء رضي الله عنه: "إذا زخرفتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم فالدمار
عليكم" (أخرجه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع:585) وأخرج الإمام
أحمد وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
"لتزخرفنها [14] كما زخرفت اليهود والنصارى [15] ".
ولعل النهي عن زخرفة المساجد يرجع لأمور منها:
1- أن الزخرفة سبب للمباهاة والمفاخرة وطلب السمعة والرياء، كما في حديث الباب.
2-
أن هذا من الإسراف المنهي عنه، والأموال التي جُمِعَت لبناء المسجد ما
ينبغي أن تُصرف في الزخرفة، فهذا تضييع للأمانة؛ لأنه ليس في الزخرفة مصلحة
شرعية، بل جاء النهي عنها.
3- أن الزخرفة والنقوش فتنة للناس ومشغلة لهم في صلاتهم.
ويشهد لهذا قول عمر رضي الله عنه عندما أمر ببناء المسجد:
"أكِنَّ الناس من الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أو تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ الناس" (أخرجه البخاري).
وأيضاً
ثبت في "الصحيحين" من حديث عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه
وسلم صلَّى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة. فلما انصرف قال:
اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وأتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني
آنفاً عن صلاتي"
قال الحافظ ابن حجر صلى الله عليه وسلم:
"ويستنبط من هذا الحديث كراهية كل ما يشغل عن الصلاة من الأصباغ والنقوش ونحوها... اهـ
وقال
النووي صلى الله عليه وسلم: "وفي هذا الحديث كراهية تزويق محراب المسجد
وحائطه ونقشه وغير ذلك من الشاغلات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل
العلة في إزالة الخميصة هذا المعنى.... اهـ
فعمارة المساجد الحقيقية لا
تكون إلا بالطاعة والصلاة والقرآن وحِلَق العلم... وغير ذلك من ألوان
الطاعة، ولا يُفهم من ذلك عدم الاهتمام ببناء المساجد، أو بنائها على أشكال
مُزرية... لا... إنما النهي عن الزخرفة والإسراف.
[1] يقيمونه كما يقام
القدح: والمعنى: يبالغون في عمل القراءة كمال المبالغة لأجل الرياء
والسمعة والشهرة، كأن أحدهم يَصُفُّ أقداحاً وهي الصحون.
[2] يتعجلونه ولا يتأجلونه: والمعنى: يتعجَّلون ثوابه من الناس مالاً وثناءً، ولا يؤجلون نيل الثواب في الآخرة أجراً ورضواناً.
[3] أخذ فلان بأخذ فلان: أي سار بسيرته.
[4]
نقل الحافظ ابن حجر صلى الله عليه وسلم في "فتح الباري"(20/387) عن القاضي
عياض صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الشبر والذراع ودخول الجحر تمثيل
للاقتداء والتقليد لهم"
قال النووي صلى الله عليه وسلم في "شرح مسلم"
(5/525): السَّنَن.. بفتح السين والنون: وهو الطريق، والمراد بالشبر
والذراع وجحر الضب، التمثيل بشدة الموافقة لهم، والمراد: الموافقة في
المعاصي والمخالفات لا في الكفر. وخصَّ النبي جحر الضب لشدة ضيقه، وإمعاناً
في وصف مَن يدخل مكاناً لا يتسع له، فالتشبيه أنهم لو دخلوا في مثل ذلك
المكان الضيق لَوُجِد في أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن يفعل ذلك
لشدة التقليد.
[5] وقول النبي: "يَا عَائِشَةُ، قَوْمُكِ أَسْرَعُ
أُمَّتِي بِي لَحَاقًا" دليل على أن أسرع قبائل العرب فناءً هي قريش،
وممَّا يدل على ذلك ما أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أسرع قبائل العرب فناءً قريش، ويوشك
أن تمر المرأة بالنعل، فتقول: إن هذا نعل قُرشي"
[6] المنايا: جمع مَنِيَّة، وهو الموت، وتَسْتَحْلِيهِمْ الْمَنَايَا: يعني أن الموت يراهم صيداً حلواً، فيهجم عليهم.
[7]
الدبي: هو الجراد قبل أن يطير، وقال أبو عبد الرحمن: فسَّره رِجْلٌ: هو
الجنادب التي لم تنبت أجنحتها، والجنادب: جمع جندب، وهو الجراد.
[8] القصعة: وعاء يُؤكل فيه، وكان يُتخذ من الخشب غالباً.
[9] الغثاء: ما يجيء فوق السيل مما يحمله من الزبد والوسخ وغيره.
[10] الوهن: فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم بحب الدنيا وكراهية الموت.
وهذا
الحديث من دلائل النُّبُوَّة وعلامة من علامات الساعة، وفيه التصريح بما
سيكون من تجمع الأمم ضد المسلمين، استضعافاً لهم وطمعاً فيهم، مع كثرة عدد
المسلمين. وقد تداعت أمم الكفر على المسلمين كما تتداعى الأكلة على قصعة
الطعام، والتداعي: التتابع، أي يدعو بعضُهم بعضاً، فيجيب المدعو كما في
دعوة الولائم. وسبب هذا الهوان ليست القلة في عدد المسلمين، بل هم كثرة،
فقد تجاوز عددهم الألف مليون، ولكنهم غثاء وزبد كالذي يحمله السيل، وهذا
حال الأمة اليوم.
فلا نجاة إلا بالرجوع إلى دين ربنا، ونزع الدنيا من القلوب، كما كان حال الرعيل الأول لتعود لنا السيادة والقيادة.
[11] والمُراد بالبيضة: أي جماعتهم وأصلهم، والبيضة أيضاً: العز والملك.
[12]
والمراد بقوله: "أن لا أهلكهم بسنة عامة" أي: لا أهلكهم بقحط يعمهم، بل إن
وقع قحط يكون في ناحية يسيرة، بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام.
[13] وقوله صلى الله عليه وسلم : "بعجت كظائم" أي: حُفرَت قنوات، وهي الأنفاق الأرضية تحت جبال مكة وتحت أرضها".
[14]
في "النهاية": الزخرف: النقوش والتصاوير بالذهب. قال الخطابي: معنى قوله:
"لتزخرفنها": "لتزيننها"، وأصل الزخرف: الذهب يريد تمويه المساجد بالذهب
ونحوه، ومنه قولهم: "زخرف الرجل كلامه" إذا موهه وزينه بالباطل. والمعنى:
أن اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرَّفوا وبدَّلوا وتركوا
العمل بما في كتبهم، يقول: "فأنتم تصيرون إلى مثل حالها إذا طلبتم الدنيا
بالدين، وتركتم الإخلاص في العمل، وصار أمركم إلى المراءات بالمساجد
والمباهاة في تشييدها وتزيينها"
[15] وقوله: "كما زخرفت اليهود والنصارى") قال علي القاري: وهذا بدعة؛ لأنه لم يفعله عليه السلام ، وفيه موافقة أهل الكتاب).
علامات الساعة الصغرى : كثرة الفتن وخروج أدعياء النبوة
علامات الساعة الصغرى : ضياع الأمانة والسلام على الخاصة
علامات الساعة الصغرى : إمارة السفهاء وكثرة القراء وقلة العلماء
علامات الساعة الصغرى: استحلال الخمر
علامات الساعة الصغرى : البخل وقطيعة الرحم
علامات الساعة الصغرى : رفع العلم وظهور الجهل
انتشار شرب الخمور من علامات الساعة الصغرى(مقالة - موقع الشيخ د. عبد الله بن محمد الجرفالي)
علامات الساعة الصغرى (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
علامات الساعة الصغرى التي لم تظهر إجمالا(مقالة - آفاق الشريعة)
علامات الساعة الصغرى التي ظهرت ولا زالت تتتابع (word)(كتاب - مكتبة الألوكة)
علامات الساعة الصغرى : كثرة القول وترك العمل(مقالة - آفاق الشريعة)
علامات الساعة الصغرى : اتخاذ المساجد طرقا(مقالة - آفاق الشريعة)
علامات الساعة الصغرى التي ظهرت وانقضت (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
علامات الساعة الصغرى التي ظهرت وانقضت (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
علامات الساعة الصغرى التي ظهرت وانقضت (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
علامات الساعة الصغرى التي ظهرت وانقضت (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
==============
علامات الساعة الصغرى
إمارة السفهاء وكثرة القراء وقلة العلماء
13- إمارة السفهاء:
من المعلوم أن صلاح الأمة يكون بصلاح أمرائهم، وفساد الأمة يكون بفساد أمرائهم.
وكان الليث بن سعد رضي الله عنه يقول:
"من رأس العين يأتي الكدر، وإذا صفا رأس العين صفت السواقي".
وكتب الحسن البصري رضي الله عنه إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال له في وصف الأمير العادل:
"الإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده".
وقد
بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي على الناس زمانٌ يتولَّى عليهم
فيه السفهاء الذين لا يهتدون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا يستنُّون
بسنته.
فقد أخرج الإمام أحمد والبزار عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجرة رضي الله عنه: "أعاذك
الله يا كعب من إمارة السفهاء[1] قال: ما إمارة السفهاء يا رسول الله؟ قال:
أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي، ولا يستنُّون بسُنَّتِي، فمَن
صَدَّقَهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم؛ فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا
يردون على حوضي، ومن لم يُصَدِّقْهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم؛ فأولئك
مني وأنا منهم ويردون على حوضي. يا كعب بن عجرة: الصومُ جُنَّة، والصدقة
تطفئ الخطيئة، والصلاة قربان - أو قال: برهان - يا كعب بن عجرة: الناس
غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها"
وهذه العلامة: (إمارة
السفهاء) هي نتيجة طبيعية للعلامة السابقة عندما يُوَسَّد الأمر إلى غير
أهله، وتنعكس الأحوال وتنقلب الموازين؛ حيث يصدق الكاذب، ويكذب الصادق،
ويؤتمن الخائن، ويُخوَّن الأمين، ويتكلم الجاهل، ويسكت العالم، فلا عجب أن
ترى الذي يقود الأمة ويمسك بزمامها هم السفهاء.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الطبراني بسند فيه مقال:
"لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها".
والمنافقون كما هو معلوم قليلو الإيمان عديمو الخشية كثيرو الكذب، لكن ومع الأسف يكونون هم سادة القوم ورؤساؤهم.
وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "إن من أشراط الساعة أن يوضع الأخيار ويرفع الأشرار"
(أخرجه الحاكم من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه).
وعند الطبراني من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من
اقتراب الساعة أن تُرفع الأشرار، ويُوضع الأخيار، ويَقْبُح القول،
ويَحْزُن العمل، وتتلى في القوم المثناة. قلت: وما المثناة؟ قال: ما كتب
سوي كتاب الله".
وذكره في "مجمع الزوائد" بلفظ: "ويحسن العمل، وتُفرى في القوم المساءة. قلت: وما المساءة؟ قال: ما كتب سوى كتاب الله".
وما أكثر الكتب والصحف والإذاعات ووسائل المعلومات المضللة اليوم.
14- ظهور أعوان الحكام الظلمة الذين يجلدون ويضربون الناس:
يكثر
الظلم في آخر الزمان حتى إن الرجال الذين يوكل إليهم القيام على الأمن
وردع الظالمين يفسدون، فإذا بهم يتحَوَّلون إلى ظلمة، يجلدون ظهور العباد
بسياطهم، وهذا كثير مُشَاهَد في ديار الإسلام اليوم.
فقد أخرج الإمام
أحمد والحاكم والطبراني في "الكبير" بإسناد صحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان - وعند
الحاكم بلفظ: يخرج في هذه الأمة في آخر الزمان - رجالٌ معهم سياط كأنها
أذناب البقر، يغدون في سخط الله، ويروحون في غضبه" (السلسلة الصحيحة: 1893
).
وأخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن طالت بك مدة أوشكت أن ترى قوماً، يغدون في سخط الله، ويروحون في لعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر".
أخرج الإمام مسلم عن عبدالله بن رافع - مولى أم سلمة - قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوماً في أيديهم مثل أذناب البقر، يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله".
وهذه
الأحاديث وإن لم يكن فيها التصريح بأنهم يضربون الناس؛ إلا أن وصفهم
بالسخط واللعنة يشير إلى كثرة ظلمهم واعتدائهم على الناس، بل صرح النبي -
صلى الله عليه وسلم - في حديث آخر أنهم يضربون الناس.
فقد أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"صنفان
من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس،
ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا
يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".
قال النووي رضي الله عنه كما في "شرح مسلم" (17/190):
وهذا الحديث من معجزات النُّبُوَّة، فقد وقع ما أخبر به رضي الله عنه، فأما أصحاب السياط فهم غلمان والي الشرطة.
وقد جاء في بعض الأحاديث صراحةً أنهم هم الشرطة:
ففي
الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد والطبراني في "الكبير" عن أبي أمامة رضي
الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيكون في آخر الزمان شرطة
يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله، فإياك أن تكون من بطانتهم"
(الصحيحة: 1813)، (صحيح الجامع: 3666).
15- أن يتكلَّم السفيه في أمر العامة:
فعندما تتغير الأحوال وتتبدل المفاهيم وتنقلب الموازين، تجد أن الذي يتكلَّم في أمور العامة وقضاياهم هو الرجل الفاسق السفيه.
• أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"قبل
الساعة سنوات خدَّاعات، يُكَذَّب فيها الصادق، ويُصَدَّق فيها الكاذب،
ويُخوَّن فيها الأمين، ويُؤْتَمن فيها الخائن، وينطقُ فيها الرُّوَيْبِضَة
[2]".
• وفي رواية أخرى عند أحمد أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنها
ستأتي على الناس سنوات خدَّاعة، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها
الصادق، ويُؤْتَمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطقُ فيها
الرويبضة، قيل: وما الرُّوَيْبِضَة؟ قال: السفيه يتكلَّم في أمر العامة".
• وأخرج الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن
أمام الدَّجَّال سنين خدَّاعة، يُكَذَّب فيها الصادق، ويُصَدَّق فيها
الكاذب، ويُخوَّن فيها الأمين، ويُؤْتَمن فيها الخائن، ويتكلم فيها
الرُّوَيْبِضَة، قيل: وما الرُّوَيْبِضَة؟ قال الفُويسق يتكلم في أمر
العامة".
• وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"سيأتي
على الناس سنوات خدَّاعات، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها الصادق،
ويُؤْتَمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطقُ فيها الرُّوَيْبِضَة،
قيل: وما الرُّوَيْبِضَة؟ قال: الرجل التافه يتكلَّم في أمر العامة" (صحيح
الجامع: 3650)، (السلسلة الصحيحة: 1888).
وهذا ما رأيناه في هذه
الأيام، حيث ذهب الفاسقون من الممثلين والممثلات يتكلَّمون باسم الدين،
ويذهبون هنا وهناك للكلام في قضايا الناس، ومَن تكلَّم في غير فنه أتى
بالعجائب.
16- ارتفاع الأراذل والسفهاء:
أخرج الإمام أحمد والترمذي عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لُكَع بن لُكَع" (صحيح الجامع:7431).
وفي
"لسان العرب": أن اللكع: هو "العبد أو اللئيم"، وقيل: الوسخُ، وقيل:
الأحمق الجاهل، وقيل: هو ضيق الصدر، قليل الغناء، الذي يؤخره الرجال عن
أمورهم، فلا يكون له موقع، ويقال للرجل: "لكع"، وللمرأة: "لكاع"
وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا تذهب الدنيا حتى تكون للُكَع بن لُكَعٍ".
وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أشراط الساعة أن يغلب على الدنيا لُكَع بن لُكَع، فخير الناس يومئذ مؤمن بين كريمين".
ورواه الطحاوي في "مشكل الآثار" بلفظ:
"يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع، وافضل الناس مؤمن بين كريمين" (الصحيحة: 1505 ).
وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تذهب الأيام والليالي حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لُكَع بن لُكَع".
17- هلاك الوعول وظهور التحوت:
وقد
ظهرت هذه العلامة ولا تزال تتتابع، حيث يموت العلماء والعقلاء والحكماء،
ولم يبقَ إلا حثالة من الناس يُرْفَعُون على الأعناق، ويشار لهم بالبنان،
وتتسلَّط عليهم الأضواء، ويتكلمون في أمور العامة، وهذا من علامات الساعة.
فقد أخرج الحاكم في "المستدرك" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"والذي
نفس محمد بيده، لا تقوم الساعة حتي... وذكر منها: "ويهلك الوعول، ويظهر
التحوت، فقالوا: يا رسول الله، وما الوعول وما التحوت؟ قال: الوعول وجوه
الناس وأشرافهم، والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم".
18- الخضاب بالسواد (تشبُّب الشيخ):
وهذه
علامة بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها ستقع في آخر الزمان، وقد
كان ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ووقع على الوجه الذي أخبر به
رضي الله عنه.
فقد أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يكون قوم يخضبون[3] في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام [4] لا يريحون رائحة الجنة".
(صحيح الجامع: 8153).
وينطبق هذا الحديث على الذي يحلق عوارضه، ويدع ما على ذقنه من الشعر، ثم يصبغه بالسواد؛ فيغدوا كحواصل الحمام.
قال الإمام النووي رضي الله عنه كما في "شرح مسلم" (14/80):
"يحرم خضابه بالسواد على الأصح، وقيل: يكره كراهية تنزيه، والمختار التحريم؛ لقوله رضي الله عنه:
"واجتنبوا السواد".
قال ابن الجوزي رضي الله عنه كما في "كتابه الموضوعات"(3/55):
"يحتمل أن يكون المعنى لا يريحون رائحة الجنة لفعل يصدر منهم، أو اعتقاد لا لعلة الخضاب.
تنبيه:
مسألة
الخضاب بالسواد من المسائل الخلافية بين أهل العلم، فمنهم من قال بتحريم
الخضاب بالسواد، ومنهم من يقول بالكراهية فقط، ومنهم من يقول بالجواز بلا
كراهية، ولكل قول من هذه الأقوال قوته وأدلته، ومَن أراد الاطِّلاع على
أدلة كل فريق والراجح منها؛ فليراجع كتاب "مفاتيح الفقه" للشيخ مصطفي
العدوي - حفظه الله -.
19- كثرة النساء وقلة الرجال:
ومن علامات الساعة كثرة النساء آخر الزمان وقلة الرجال.
أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
"لأحدثكم
حديثاً لا يحدثكم أحدٌ بعدي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" من
أشراط الساعة: أن يقلَّ العلمُ، ويظهر الجهلُ، ويظهر الزنا، وتكثر النساءُ،
ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأةٍ القيِّم الواحد [5]".
وفي رواية
أخرى: "لا تقوم الساعة - أو قال: إن من أشراط الساعة: أن يُرفَعَ العلمُ،
ويظهر الجهلُ، ويُشْرَب الخمرُ، ويفشو الزنا، ويذهب الرجال، ويبقى النساءُ،
حتى يكون لخمسين امرأة قيِّم[6] واحد". - وفي رواية: "يظهر الزنا، ويقل
الرجال، ويكثر النساء".
أخرج البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"ليأتينَّ
على الناس زمانٌ يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحداً يأخذها
منه، ويُرَى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يَلُذْنَ به من قلة الرجال
وكثرة النساء".
وقال أهل العلم: "إن سبب زيادة النساء على الرجال قد ترجع إلى أمور منها:-
1- أن يكون ذلك بسبب كثرة الفتن والحروب، فيقتل الرجال، ويكثر عدد النساء.
وقيل: إنه يكون لكثرة الفتوح فتكثر السبايا.
وقيل:
إن الله يقِّدر في آخر الزمان أن يقل عدد المواليد من الذكور، ويكثر من
يولد من الإناث، والمتأمِّل في نسب الولادة بين الذكور والإناث يعلم صدق
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الأخير هو الذي رجَّحه الحافظ ابن
حجر، فقد قال كما في "فتح الباري" (1/133): "والظاهر أنها علامة محضة لا
لسبب آخر، بل يُقدِّر الله في آخر الزمان أن يقل مَن يولد من الذكور، ويكثر
من يولد من الإناث. هذا والله أعلى وأعلم.
20- كثرة الروم وقلة العرب:
الروم
هم مَن يُطْلَق عليهم اليوم الأوروبيون والأمريكان، وسمو بالروم نسبة إلى
الأصفر بن الروم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، ولهذا يطلق عليهم بنو
الأصفر. (التذكرة للقرطبي: 2/689).
وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من علامات الساعة أن يكثر الروم في آخر الزمان ويقل العرب.
فقد أخرج الإمام مسلم عن المستورد بن شداد أنه قال لعمرو بن العاص رضي الله عنه:
"تقوم
الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو بن العاص: أَبْصِر ما تقول؟ قال:
أقول لك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمرو بن العاص: إن
تكن قلت ذاك إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأسرع الناس كرَّة بعد فرَّة[7]،
وإنهم لخير الناس لمسكين وفقير وضعيف، وإنهم لأحلم الناس بعد فتنة،
والرابعة حسنة جميلة، وأنهم لأمنع الناس من ظلم الملوك".
وفي رواية أخرى
عند مسلم: "أن المستورد بن شداد قال لعمرو بن العاص رضي الله عنه: "سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال
له عمرو: أبْصِر ما تقول! قال: أقول ما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قال: لئن قلتَ ذلك: إن فيهم لخصالاً أربعاً، إنهم لأحلم الناس عند
فتنة، وأسرعهم إفاقةً بعد مصيبة، وأوشكهم كرَّة بعد فرَّة، وخيرهم لمسكين
ويتيمٍ وضعيفٍ، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظُلم الملوك".
• والعرب في هذه الأوقات قلة.
كما
جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن أم شريك رضي الله عنها أنها سمعت
النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليفِرَّن الناس من الدَّجَّال في
الجبال، قالت أم شريك: يا رسول الله، فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل".
وقد
يقال: "إن معنى: "الروم أكثر الناس" إشارة إلى انتشار اللسان الأوروبي،
وبداية هجر العربية، قال بعض أهل العلم: "العربي مَن تكلَّم العربية،
والأعرابي من سكن البادية وإن كان أعجمياً.
21- كثرة القَّراء وقلة الفقهاء والعلماء:
فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من علامات الساعة أن يكثر القرّاء ويقل العلماء.
فقد أخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"سيأتي
على الناس زمانٌ تكثر فيه القرَّاء، ويقل فيه الفقهاء، ويُقبَض العلم،
ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل بينكم، ثم يأتي بعد ذلك زمانٌ
يقرأ القرآن رجالٌ لا يجاوز تراقيهم، ثم يأتي بعد ذلك زمانٌ يجادل المنافق
الكافر المشرك بالله المؤمن بمثل ما يقول".
وقد جعل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كثرة القرّاء وقلة الفقهاء علامة على قلب الموازين واختلال الأمور.
فقد أخرج الدارمي والحاكم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال:
"كيف
أنتم إذا لبستكم فتنة: يهرم فيها الكبير، ويربوا فيها الصغير، ويتخذها
الناس سُنَّة، فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة، قالوا: ومتى ذلك يا أبا
عبدالرحمن؟ قال: إذا كثرت قُرَّاؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت أمراؤكم، وقلت
أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة.
• وفي رواية: "قالوا: ومتى ذلك؟
قال: إذا ذهبت علماؤكم، وكثرت جهلاؤكم، وكثرت قراؤكم، وقلت أمناؤكم،
والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين".
تنبيه:
ومعنى قبض العلم: هو قبض مَن يحملون هذا العلم، وهم الفقهاء والعلماء.
كما جاء تفسير ذلك في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرورضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إن
الله عز وجل لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، لكن يقبض العلم بقبض
العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالاً فسُئِلوا
فأفتوا بغير علم فَضَلوا وأضَلُّوا".
[1] السفهاء: جمع "سفيه"، وهو خفيف
العقل، قليل التَّدَبُّر، الذي لا يحسن تدبير شئون نفسه فضلاً عن شؤون
غيره، والسفه في اللغة: "الخفة"، يقال: ثوب سفيه، أي ثوب خفيف.
[2]
والرُّوَيْبِضَة فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث التالي:
بأنه الرجل التافه يتكلم في أمر العامة، والتافه: الخسيس الحقير،
والرُّوَيْبِضَة تصغير "الرابضة": وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور،
وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة. (النهاية: 2/185).
[3] يخضبون: أي يُغيِّرُون الشعر الأبيض من الشيب الواقع في الرأس واللحية بـ(السواد، أي: باللون الأسود).
[4] كحواصل الحمام: قال الطيبي رحمه الله: "معناه: كحواصل الحمام في الغالب؛ لأن حواصل بعض الحمامات ليست بسودٍ.اهـ
[5] القيّم: يعني مَن يقوم بأمور هؤلاء النسوة، وما يحتجن إليه من النفقة وغيرها.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/179: "يحتمل أن يُراد بهذا العدد حقيقته، ويحتمل أن يُراد المجاز على الكثرة.
[6]
قال القرطبي رحمه الله في "التذكرة": "يحتمل أن يُراد بالقيِّم: مَن يقوم
عليهن سواء كن موطوآت أم لا، ويُحتَمَل أن يكون ذلك يقع في الزمان الذي لا
يبقى فيه من يقول: "الله الله"، فيتزوج الواحد بغير عدد جهلاً بالحكم
الشرعي.
[7] الأصل في الكرَّة: الإقبال في القتال، والفرَّة هي: الفرار،
والمعني هنا: أنهم إذا هزموا أو أصابتهم كارثة سارعوا إلى تحسين أوضاعهم
ثم يعاودون الكرة.
=============
علامات الساعة الصغرى
استحلال الخمر
37- استحلال الخمر
وقد
مر بنا في الحديث السابق: أنه سيكون في آخر الزمان أقوام يستحلون الحِر
والحرير والخمر والمعازف، يمسخهم الله عز وجل قردةً وخنازير إلى يوم
القيامة.
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي أناس يستحلون الخمر ويسمونها بغير اسمها، وهذا من علامات الساعة.
♦
فقد أخرج البخاري ومسلم َعنْ أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لا تقوم الساعة - أو مِنْ أشراط
السَّاعَةِ -: أَنْ يُرفع الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، ويُشرَب الخمر،
ويفشو الزِّنَا، ويذهب الرجال، ويبقى النِّسَاءُ،، حَتَّى يكُونَ
لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ".
♦ وفي رواية: "يظهر الزنا، ويقل الرجال، ويكثر النساء".
♦
وأخرج الترمذي عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قال: قَالَ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ
وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ، إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ[1] وَالْمَعَازِفُ
وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ".
♦ وعند الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي مالك
الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليشربن
أناس من أمتي الخمر، يُسمونها بغير اسمها" (صحيح بشواهده).
♦ ورواه ابن
ماجه وابن حبان والطبراني والبيهقي عنه بلفظ: "ليشربن أناسٌ من أمتي الخمر
يُسمُّونها بغير اسمها، ويُضرب على رءوسهم بالمعازف والقينات، يخسف الله
بهم الأرض، ويجعل منهم قردة وخنازير".
(قال ابن القيم: إسناده صحيح، ورمز السيوطي لصحته)
♦
وأخرج الإمام أحمد وابن ماجه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتستحلَنَّ طائفةٌ من أمتي الخمر باسمٍ
يسمونها إيَاه" (صححه الألباني، وقال ابن حجر: سنده جيد).
واستُحِلَّت الخمر لقلة الإيمان أو لذهابه، لأنه مَنْ ملأ الإيمان قلبه لا يُتَصور منه فعل هذا.
ولذلك
جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله
عنه قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَزْنِى الزَّانِي
حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ
مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخمر حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ".
قال
ابن عباس رضي الله عنه : "إذا شرب المؤمن الخمر يُنزع منه الإيمان هكذا،
وشبَّك ابن عباس بين أصابعه ثم أخرجها، فإن تاب عاد إليه الإيمان هكذا،
وشبَّك بين أصابعه".
ورفع أبو هريرة رضي الله عنه يده مرة على رأسه
وقال: "يُنزع منه الإيمان، فيصبح على رأسه كالظل، فإن تاب وعاد يُعاد إليه
الإيمان هكذا". (أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة: ص472).
وأخرج
النسائي بسند صحيح موقوف من حديث عُثْمَانَ رضي الله عنه يَقُولُ:
"اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهُ كَانَ
رَجُلٌ مِمَّنْ خَلا قَبْلَكُمْ يَتَعَبَّدُ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ
غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: أَنَا
أَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا، فَطَفِقَتْ
كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى
امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ، عِنْدَهَا غُلامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ:
إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعْوَتُكَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ دَعْوَتُكَ
لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا، أَوْ
تَقْتُلَ هَذَا الْغُلامَ، قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ
كَأْسًا، فَسَقَتْهُ كَأْسًا، فَقَالَ: زِيدُونِي، فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى
وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ،
فَإِنَّهَا - وَاللَّهِ - لا يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ
إِلا أَوْشَكَ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ".
فلا يجتمع إيمانٌ
وحب الخمر في قلب عبدٍ أبداً، ولذلك تجد أن الله عز وجل لما حرَّم الخمر،
نادى على أهل الإيمان فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]، لأن
أهل الإيمان هم الذين سيستجيبون لهذا النداء.
38- استحلال المعازف
وهذا
مما عمَّت به البلوى في هذا الزمان، وقد مر بنا حديث النبي صلى الله عليه
وسلم الذي أخرجه البخاري عن أَبُي مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه أنه
سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي
أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ
وَالْمَعَازِفَ[2]، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ
عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ - يعني الفقير - لِحَاجَةِ،
فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ
الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ أخرىنَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ".
فهؤلاء الذين استحلوا هذه المحرمات يهلكهم الله عز وجل، ويدكدك عليهم الجبل، ويوقعه عليهم، ويمسخ آخرين منهم قردة وخنازير.
وأخرج
الطبراني في "الكبير" عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "سيكونُ في آخر الزمان خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَمَسْخٌ، قِيل:
ومتي ذلك يا رسول الله؟ قال: إِذَا ظَهَرَتْ الْمَعَازِفُ والْقَيْنَاتُ
[3]" (صحيح الجامع:3665).
ومعنى استحلالهم لهذه المُحرَّمات أحد شيئين:
1 - اعتقاد حِلّ هذه الأمور وأنها ليست حراماً.
2 - أو اعتياد فعلها وانتشارها بين الناس، حتى تُصْبَح لا تنكرها الألسن ولا القلوب، فلا يستشعر الناس حرمتها أثناء فعلهم لها.
39- انتشار الربا وعدم المبالاة بمصدر المال
وهذه
علامة من علامات الساعة، ودليل ذلك ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" من حديث
عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بين
يدي الساعة يظهرُ الربا". (الصحيحة: 2/3415)
والظهور هنا بمعنى الكثرة والانتشار.
ومن
المعلوم أن الربا حرام، لعن الله آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، وقد توعد
الله سبحانه وتعالى مَن يتعامل بالربا بحربٍ لا طاقةَ له بها؛ قال تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ
مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ
رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278،
279].
♦ والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من التعامل بالربا، ولعن مَنْ
فعل ذلك، فقد أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" من حديث جابر رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعنَ رسول اللهُ صلى الله عليه وسلم آكل
الربا ومُوكِلَه وكاتبه وشاهِدَيه، وقال: هم فيه سواء " وبيَّن النبي صلى
الله عليه وسلم أن أكْل الربا أشد من الزنا.
فقد جاء في الحديث الذي
أخرجه الإمام أحمد والطبراني في "الكبير" عن عبد الله ابن حنظلة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد
عند الله من ستة وثلاثين زنية".
وعند الطبراني في "الأوسط" من حديث
البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الربا اثنان وسبعون باباً أدناها مثلُ إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا
استطالة الرجل في عرض أخيه".
وعند الحاكم من حديث عبدالله بن مسعود رضي
الله عنه: "الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ
يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرجل
المسلم".
فاحذر أخي الحبيب... من الربا، فإنه وبال وشقاء، وضنك وبلاء،
وعاقبته إلى قلة ونقصان، كما جاء عند الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما من
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "ما أحدٌ أكثَرَ مِنَ الرِّبَا؛ إلا كانَ عَاقِبَةُ أَمرِه إلى قِلّة
" (صحيح الجامع: 5518).
ورغم ذلك كله، فقد انتشرت التعاملات الربوية، وغيرها من المعاملات المُحرَّمة، طلباً لزيادة المال.
أحبتي
في الله... لابد أن نعلم جميعاً أن الرزق يطارد الإنسان ويلاحقه، كما
يطارده ويلاحقه الأجل فقد أخرج أبو نعيم في "الحلية" عن جابر رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ أَنَّ رَجُلا هَرَبَ مِنْ
رِزْقِهِ، كَهَرَبِهِ مِنَ الْمَوْتِ، لأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا
يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ".
لكن هناك من هو في شك من هذا، فراح يطلب الرزق
بمعصية الله، ولا يبالي أمِنْ حرام أم من حلال؟ وقد وقع هذا مصداقاً لما
قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم،فقد أخرج البخاري من حديث أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ
الْمَالَ أَمِن حَلالٍ أَمْ مِن حَرَامٍ...".
وصدق الحبيب النبي صلى
الله عليه وسلم، فلقد رأينا هذا الزمان الذي انتشر فيه بيع الدخان والخمور
وبيع ملابس النساء التي تظهر العورة، أو التعامل بالربا، بل أن هناك مَن
يتاجر بأعراض النساء ويأكل من هذا المال.
فهؤلاء نذكِّرهم بقول النبي
صلى الله عليه وسلم كما في "مسند الإمام أحمد": "كلُّ جسدٍ نبت من سُحتٍ
فالنار أولى به". (صحيح الجامع:4519).
وهؤلاء نذكِّرهم أيضاً بأن الرزق
لا يُنال إلا بطاعة الله فقد أخرج ابن حبان والحاكم بسند حسن عن رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ
أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا [وتستوفي أجلها]
فاتقوا الله وأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ
الرِّزْقِ أَنْ تطْلُبَوه بمعاصي الله، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُدْرك مَا
عِنْدَهُ إِلا بِطَاعَتِهِ".
فعلى الإنسان أن يتحرَّى الحلال، ولا أقول
يترك الحرام فقط، بل يترك الشبهات، فإن فعل فهو للحرام أتْرك، كما جاء في
الحديث: "فَمَنْ تَرَكَ مَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ، كَانَ
لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ".
أخرج البخاريُّ ومسلِمٌ عن أبي عبدِاللهِ
النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله
عليه وسلم يقول: "إنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ،
وَبَيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ
النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ
وعِرْضِهِ، ومَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ".
40- شهادة الزور وكتمان شهادة الحق:
فالإسلام
حرَّم شهادة الزور وجعلها من أكبر الكبائر، فقد أخرج البخاري ومسلم من
حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه عن أبيه قال: "كنا عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ - ثلاثاً - قالوا:
بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً،
فقال: ألا وقول الزور، قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت".
فمن
شهد بغير علم فقد وقع في ذنب عظيم، وارتكب إثماً كبيراً، قال تعالى: ﴿ وَلا
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
قال محمد بن الحنفية: "يعني شهادة الزور".
فعلى الإنسان ألا يشهد إلا بما علم، امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا ﴾ [يوسف: 81].
ومَنْ شهد بما لا يعلم فقد أضاع الحقوق، ونصر الظالم، أو ظلم بريئاً، لذا استحقَّ أن يكون من أكبر الكبائر.
أما
بالنسبة لكتمان شهادة الحق، فهذا أيضاً من الأمور التي نهي عنها رب
العالمين، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ وَلاَ تَكْتُمُواْ
الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [البقرة: 283].
•
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الزور وكتمان شهادة الحق من
علامات الساعة، ففي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد من حديث عَبْدِاللَّهِ
بن مسعود رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ
بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ: تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ،
حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ
الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ،
وَظُهُورَ الْقَلَمِ". (قال أحمد شاكر: صحيح، وحسنه الشيخ شعيب الأرنؤوط).
[1]الْقَيْنَاتُ: جمع قينة، وهي المُغَنِّيَة.
[2] الحِرّ: الزنا. - المعازف: هي آلات اللهو والطرب.
[3] الْقَيْنَاتُ: هن المُغَنِّيَات.
===========
علامات الساعة الصغرى
البخل وقطيعة الرحم
41- كثرة الكذب وإشاعته
الكذب:
هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، وإن الله سبحانه ما أنعم على عبدٍ
بنعمة - بعد الإسلام - أفضل من نعمة الصدق، وما ابتلاه ببلية أعظم من
الكذب، الذي هو بريد الكفر والنفاق، ولذلك رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم
في الصدق، ورهَّب من الكذب.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"عليكم
بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر[1]، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال
الرجل يصدق[2] ويتحرى الصدق، حتى يُكتَب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب
فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل
يكذب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً".
• وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكذب وكثرته وانتشاره في آخر الزمان علامة من علامات الساعة.
•
أخرج الإمام مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سَيَكُونُ فِي آخِرِ
أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا
آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ".
• وفي رواية أخرى عند مسلم
أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "يكون في آخر الزمان دجَّالون كذَّابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم
تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإيَّاهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم".
•
وعند مسلم أيضاً من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: "إن بين يدي الساعة كذَّابين فاحذروهم".
وما
أكثر الكذب في هذه الأيام، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول،
أو في وسائل الإعلام المختلفة، المقروءة والمسموعة، وما أكثر من نقل
الأخبار دون تثبُّت، وهو أحد أنواع الكذب، وهذا كله من علامات الساعة.
•
فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْكَذِبُ" (الصحيحة: 2772).
42- كثرة الشح والبخل
الشح:
أشد من البخل؛ لأنه حرص، وهو كل ما يمنع النفس من بذل مالٍ أو معروف أو
طاعة، والشح مرض نفسي يفتك بالمجتمع الإسلامي؛ لأن الشحيح يظل دائماً يطلب
المزيد، ولا يكتفي بما معه، وهذا يحمله على انتهاك الحرمات، بل ربما إلى
القتل، فالشح سبب للهلاك والضياع.
وقد حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم أمته فقال: "اتقوا الشح".
والحديث
أخرجه الإمام مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: "اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة, واتقوا الشح؛ فإن
الشحَّ أهلك مَن كان قبلكم, حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم"
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشح والبخل من علامات الساعة.
فقد
أخرج الطبراني في "الأوسط" والحاكم في "المستدرك" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:
"وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالْبُخْلُ، وَيُخَوَّنُ الأَمِينُ وَيُؤْتَمَنُ
الْخَائِنُ، وَيَهْلِكُ الْوُعُولُ، وَيَظْهَرُ التُّحُوتُ، قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوُعُولُ وَمَا التُّحُوتُ؟ قَالَ: الْوُعُولُ:
وُجُوهُ النَّاسِ وَأَشْرَافُهُمْ، وَالتُّحُوتُ: الَّذِينَ كَانُوا تَحْتَ
أَقْدَامِ النَّاسِ لا يُعْلَمُ بِهِمْ" (السلسلة الصحيحة: 3211).
وأخرج
البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قَالَ: " يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ، وَيُلْقَى
الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ "
وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "من أشراط الساعة أن يظهر الشح".
وها
قد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وظهر الشح في أوضح صورهِ،
حتى أنك تجد الرجل يبخل على امرأته وأولاده، ولا يخرج حق الله في ماله،
وهذا إن دل فإنما يدل على قلة الإيمان
فقد أخبر الحبيب العدنان صلى الله
عليه وسلم كما في "مسند الإمام أحمد" والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه: "... ولا يجتمعان في قلب عبدٍ: الإيمان والشح".
• وفي رواية: "لا يجتمع شحٌ وإيمان في قلب رجل مسلم". (صححه الألباني في "صحيح النسائي" و"الأدب المفرد").
فالفلاح والنجاح في أن يَسْلَم المرء من الشح.
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر:9] [التغابن:16] فلاح في الدنيا وفي الآخرة.
وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} ﴾ [الليل:5 – 7].
قال
ابن كثير صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية: ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى
وَاتَّقَى ﴾ أي: أَعْطَى ما أُمِر بإخراجه، واتَّقَى الله في أموره، ﴿
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾: أي بالمجازاة على ذلك، وقِيل: بــ(لا إله إلا
الله)، وقِيل:بما أنعم الله عليه، ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ : يعني
للخير، وقِيل: للجنة.
يكفيك أخي الحبيب أن تعلم أن مَن أمسك دَعَتْ عليه الملائكة، ومَن أنفق دَعَتْ له الملائكة.
ودليل
ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول
أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً".
أضفْ إلى هذا أخي الحبيب أن المنفق سينفق الله عليه، وإذا أنفق الكريم عليه، فكيف سيكون مقدار الإنفاق؟!
فقد
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى: "يا ابن آدم أَنْفقْ أُنفقْ عليك".
وغير هذا من فضائل الإنفاق، والذي لا يتسع المجال هنا لذكرها.
وهذا
كله يجعلك تفهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: "لا حَسَدَ إِلا
فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ أَتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يتلوه آنَاءَ
اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ أَتَاهُ اللَّهُ مَالا فَهُوَ
يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ".
43- ظهور قطيعة الرحم
ظهرت
قطيعة الرحم في أجلى صورها في هذا الزمان، فتجد أن الأقرباء لا يعرف أحدهم
عن الآخر شيئاً، بل قد لا يعرف أحدهم قريبه، هل هو من الأموات، أم من
الأحياء؟ ولا أبالغ إن قلتُ: "إن القطيعة وصلت إلى درجة عالية، حتى وصلت
بين الأبناء والآباء، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه علامة من علامات
الساعة.
فقد أخرج الإمام أحمد والبزار عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ
بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ: الَتسْلِيمَ على الْخَاصَّةِ، وَفُشُوَّ
التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ،
وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وفشو الْقَلَمِ، وظهور َشَهَادَةَ الزُّورِ،
وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ".
وعند الطبراني في "الأوسط" من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من أشراط الساعة: الفحش والتَّفحُّش وقطيعة الرحم".
ولو
لم يكن في قطيعة الرحم إلا أن الله عز وجل يقطع مَن قطعها لكفى بهذا
ذَمَّــاً للقاطع، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فَرَغَ من خلقه
قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم. أما ترضين أن
أصِل مَن وصلكِ، وأقطع مَن قطعكِ؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "فاقرؤا إن شئتم: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن
تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ *
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى
أَبْصَارَهُمْ} ﴾ [محمد: 22 – 23].
قال القرطبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية:
"أخبر
تعالى أن مَنْ فعل ذلك حقَّتْ عليه اللعنة، وسلبه الانتفاع بسمعه وبصره
حتى لا ينقاد للحق، وإن سمعه وإن رآه، فجعله كالبهيمة التي لا تعقل".
وفي
رواية أخرى عند البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "الرحم معلقة بالعرش تقول: مَن وصلني وصله الله،
ومَن قطعني قطعه الله".
والقطع هنا بمعنى الحرمان من الإحسان. (انظر فتح الباري في شرح الحديث).
بل يعلنها النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: كما في "صحيح البخاري": "لا يدخل الجنة قاطع رحم".
أحبتي في الله...
إن صلة الأرحام شعار أهل الإيمان، كما أخبر بذلك الحبيب العدنان صلى الله عليه وسلم.
فقد
أخرج البخاري عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ فليصل رحمه".
أضف إلى ذلك أن صلة الأرحام تزيد في الرزق وتبارك في العمر.
كما
في "الصحيحين" من حديث أنس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي
رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
44- ظهور الفحش والتفاحش وسوء المجاورة
• الفحش: كل ما يُشتَد قبحه من الذنوب والمعاصي قولاً أو فعلاً.
• التفاحش: هو تبادل الفحش أو إظهاره.
وظهور الفحش وانتشاره علامة من علامات الساعة.
وقد
مر بنا في الحديث الذي أخرجه الطبراني في "الأوسط" والحاكم في "المستدرك"
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
يَظْهَرَ الْفُحْشُ..." الحديث.
وأخرج الإمام أحمد والحاكم في
"المستدرك" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالتَّفَاحُشُ،
وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ، وَسُوءُ الْمُجَاوَرَةِ". (قال أحمد شاكر: إسناده
صحيح).
وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة الفحش، وقطيعة الرحم، وتخوين
الأمين، وائتمان الخائن". (رمز السيوطي لحسنه).
وقد وقع كل ذلك،
فانتشرت المعاصي في بلاد المسلمين بصورة لم تخطر على قلب بشر، وانتشر الفحش
مع بذاءة اللسان بين الناس، وقُطِعَت الأرحام حتى بين الأبناء والآباء،
وأما سوء الجوار فحَدِّثْ ولا حرج، عاجزاً عن وصف سوء الجوار الذي يحدث بين
الناس في تلك الأيام، حتى وصل الأمر إلى أن الجار لا يعرف جاره.
تنبيه:
كثرة الذنوب سبب لهلاك الناس.
فقد
أخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح عن أَبي الْبَخْتَرِيِّ الطائي،
قال: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَه من النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لَنْ يَهْلِكَ النَّاسُ حَتَّى يَعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ".
قال الخطابي: "فسَّره أبو عبيدة فقال: "يعذروا: أي تكثر ذنوبهم وعيوبهم".
• دعوة من القلب:
على
المسلم الذي تلبَّس بهذا المرض اللعين، الفحش وبذاءة اللسان، أن يعود إلى
أخلاق الإسلام الحميدة، فالمسلم يبلغ بحسن خُلُقه درجة الصائم القائم، كما
أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
فقد أخرج أبو داود وغيره بسند صحيح
من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن
ليدرك بحُسْن خُلُقه درجة الصائم القائم" (صحيح الجامع: 1932).
كما أن حُسن الخُلق يثقل الميزان، كما أخبر بذلك الحبيب العدنان صلى الله عليه وسلم.
ففي
الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداءِ رضي الله عنه أَن
النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "ما من شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ
المُؤمِنِ يَومَ القِيامة من حُسْنِ الخُلُقِ، وإِنَّ اللَّه يبغضُ
الفَاحِشَ البَذِئَ" (صحيح الجامع: 5632)، (الصحيحة: 876).
وفي رواية عند أحمد وابن حبان: "إِنَّ اللَّه يبغضُ الفَاحِشَ والمتفَحِّشَ" (الصحيحة: 876).
كما إن صاحب الخُلق الحسن يكون في جنة النعيم مع النبي الأمين صلى الله عليه وسلم.
كما
جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن جابر رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ من أَحَبّكُمْ إليَّ وَأَقْرَبُكُمْ
مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا".
فعلينا
بحسن الخلق حتى نكون في هذه المكانة العالية، وعلينا كذلك أن نبتعد عن سوء
الخلق، والفُحش والتفحُّش، أُسوةً بالحبيب النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي
"الصحيحين" من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: "لم
يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا لعَّاناً ولا سبَّاباً".
• وفي رواية: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحّشاً".
فعلينا أن نقتدي به عملاً بقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21].
[1] البِـر: بكسر الباء، والمقصود به: الطاعة.
[2] يصدق: أي يتكرر منه الصدق.
علامات الساعة الصغرى : كثرة الفتن وخروج أدعياء النبوة
علامات الساعة الصغرى : ضياع الأمانة والسلام على الخاصة
علامات الساعة الصغرى : إمارة السفهاء وكثرة القراء وقلة العلماء
علامات الساعة الصغرى : تداعي الأمم على الأمة الإسلامية
علامات الساعة الصغرى : اتخاذ المساجد طرقا
علامات الساعة الصغرى: استحلال الخمر
علامات الساعة الصغرى : رفع العلم وظهور الجهل
علامات الساعة الصغرى : كثرة القول وترك العمل
ذم البخل
من علامات الساعة: الدخان الذي يكون في آخر الزمان
حكم وأقوال في البخل
البخل في ضوء الكتاب والسنة
علامات الفعل والحرف(مقالة - حضارة الكلمة)
من علامات الترقيم: علامة التأثر وعلامة الاعتراض(مقالة - حضارة الكلمة)
علامات الرفع في اللغة العربية(مقالة - حضارة الكلمة)
انتشار شرب الخمور من علامات الساعة الصغرى(مقالة - موقع الشيخ د. عبد الله بن محمد الجرفالي)
علامات الساعة الصغرى (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
علامات الساعة الصغرى التي لم تظهر إجمالا(مقالة - آفاق الشريعة)
علامات الساعة الصغرى التي ظهرت ولا زالت تتتابع (word)(كتاب - مكتبة الألوكة)
علامات الساعة الصغرى التي ظهرت وانقضت (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
علامات الساعة الصغرى التي ظهرت وانقضت (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
علامات الساعة الصغرى التي ظهرت وانقضت (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
========= ============= <br />
ب مم وبيسي
مم /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثاني /التجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة /صفائي /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث❷ /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانوي /الهندسة بأفرعها /لغة انجليزية2ث.ت1. /مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق /عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ /فيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق /فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات / /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني ثانوي.ت1. /ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث ///بيسو /مدونات أمي رضي الله عنكي /نهاية العالم /مدونة تحريز نصوص الشريعة الإسلامية ومنع اللعب باالتأويل والمجاز فيها /ابن حزم الأندلسي /تعليمية /أشراط الساعة /أولا/ الفقه الخالص /التعقيبات /المدونة الطبية /خلاصة الفقه /معايير الآخرة ويوم الحساب /بر الوالين /السوالب وتداعياتها
السبت، 30 سبتمبر 2023
علامات الساعة اجمالا
ذكر قبيلتي يأجوج ومأجوج وصفاتهم
ذكر قبيلتي يأجوج ومأجوج وصفاتهم ذكر أمتي يأجوج ومأجوج وصفاتهم وما ورد من أخبارهم وصفة السد هم من نسل النيندرتال وأخطأ من قال بغير ذلك...
-
علامات الساعة في الإسلام من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة علامات الساعة أو أشراط الساعة في الدين الإسلامي هي مجموعة من الظواهر والأحداث ي...
-
من ويكبيديا في الاسلام، الدابة أو دابة الأرض هي من علامات الساعة الكبرى تخرج آخر الزمان قبل يوم القيامة ، وهي مذكورة في القرآن وَإِذَا وَق...
-
من اسلام ويب ما صحة هذا الحديث الوارد في كتاب التذكرة للقرطبي. روي من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق